عزت ابو علي – LebanonOn
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة قبل 64 يوماً، لم يُخفِ رئيس وزراء العدو بنيامين نتياهو نواياه بتهجير أكثر من مليوني فلسطيني من سكان قطاع غزة إلى صحراء سيناء المصرية.
وكرر نتنياهو وأعضاء حكومته الدعوات للغزيين بالعبور نحو الأراضي المصرية لحين انتهاء العمليات الذي حدَّد نتنياهو أهدافها، القضاء على حركة حماس وتحرير الرهائن بالإضافة إلى إعادة احتلال غزة.
ورغم كل النيران والزج بمئات آلاف الجنود والمجازر والتدمير لم يفلح نتنياهو بتحقيق أي هدف يُذكر، لا بل إن المقاومة هناك ضربت جيشه في الصميم ملحقة خسائر فادحة في صفوفه.
اليوم لا تزال حكومة العدو تعمل على خط تهجير أهالي غزة إلى سيناء، فهي طلبت منهم الذهاب نحو جنوب القطاع على أساس أنه منطقة آمنة خارج العمليات القتالية، لكن العدو الإسرائيلي يثبت من خلال الميدان أنه يعمل على دفع الفلسطينيين للاقتراب أكثر من الحدود المصرية لإجبارهم في النهاية على اتخاذ سيناء موطناً لهم.
في المقابل تنبهت مصر للأمر منذ البداية ولوَّح الرئيس عبد الفتاح السيسي بالحرب واعتبر نوايا العدو الإسرائيلي ضرباً للأمن القومي المصري.
بالتوازي مع الموقف المصري رفعت حكومة الأردن الصوت عالياً ايضاً وكان لهجة عمان أشد من تلك التي خرجت من القاهرة، فالأردن يدرك أنه سيكون مستقراً لأهالي الضفة بعد الانتهاء من تهجير أهالي غزة إلى مصر، ليس هذا فحسب، بل إن السلطات الأردنية تدرك تماماً مساعي العدو الإسرائيلي التي تهدف إلى اعتبار الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين.
رئيس منتدى شرق المتوسط للدراسات الاستراتيجية في القاهرة الدكتور محمد حامد كشف في حديث لـ LebanonOn أن القاهرة وجَّهت قبل ساعات قليلة رسالة شديدة اللهجة إلى تل أبيب في محاولة للضغط عليها لوقف سياساتها التي ستدفع في النهاية سكان غزة للجوء إلى سيناء، بالتزامن مع الصحوة الأردنية لمصير سكان الضفة الغربية المحتلة من الفلسطينيين.
وجدد حامد في حديثه رفض مصر لتهجير الفلسطينيين ليس إلى سيناء فحسب بل إلى أي مكان آخر في فلسطين، وشدَّد على أن القاهرة ترفض تصفية القضية الفلسطينية على حساب مصر أو الأردن، واستند حامد في ذلك إلى موقف الحكومة الأردنية التي قالت إن التهجير سواء نحوها أو نحو مصر هو إعلان حرب من قبل إسرائيل على الأردن.
ويؤكد حامد أن موقف الرئيس السيسي مطابق تماماً لموقف الأردن، وما كلام وزير الخارجية المصري من قلب واشنطن إلا تأكيداً على الموقف المصري الأردني المشترك، فالوزير المصري المتواجد في العاصمة الأميركية قال إن مصر ترفض المخططات الإسرائيلية شكلاً وموضوعاً سواء كانت سرية أو علنية، لأن الأمر يعني نسف عملية السلام بشكل عام وإلغاء الاتفاقيات السابقة بشكل خاص، في إشارة إلى اتفاقية كامب دايفد للسلام بين مصر وإسرائيل والتي وقعها الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن في 17 من أيلول من العام 1978 بضمانة أميركية إبان ولاية الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر.
ويرى حامد أن جنون نتنياهو يهدد مستقبل السلام في المنطقة، خاصة مع أكبر دولة عربية أي مصر، خاصة وأن إعلان إسرائيل حالة الحرب قبل شهرين ألقت بظلالها على الجانب المصري، خاصة وأن القاهرة تعمل ما بوسعها من خلال اتصالات مكثفة لعدم توسعة الحرب وتحولها إلى حرب إقليمية.
ويلفت حامد إلى أن الصبر المصري له حدود، لكن القاهرة تعوِّل على ما سماه ضغط النخب في إسرائيل على الحكومة المتطرفة في تل أبيب لعدم خسارة السلام مع مصر والأردن نظراً للثقل التاريخي للقاهرة وعمان، خاصة وأن إسرائيل لم تشعر بالسلام إلا مع مصر طوال العقود الماضية، وشدَّد على أن العدو الإسرائيلي لا يمكنه المقامرة بهذه العلاقات إلَّا إذا استمر المتطرفون في إسرائيل بإطلاق هذه التصريحات المستفزة الصبيانية.
ولم يستبعد حامد أن يقوم نتنياهو بسبب رعونته بالتهجير العمدي المقصود لسكان قطاع غزة إلى سيناء وأهالي الضفة إلى الأردن وهو ما يعني حتماً اندلاع حرب مدمرة بين مصر والأردن من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، ومن المؤكد أن الحرب لن تقف عند حدود الجبهتين بل إنها ستتمدد بسرعة إلى جميع دول الطوق العربي أي سوريا ولبنان وتتحوَّل الحرب إلى إقليمية وربما تذهب أبعد من ذلك في حال دخول قوى دولية إلى جانب الأطراف المتحاربة.
في المحصلة وإن نجحت إسرائيل بتوقيع اتفاقية كامب دايفد مع مصر، ومثيلتها وادي عربة مع الأردن في 26 تشرين الأول عام 1994 بين العاهل الأردني الراحل الملك الحسين بن طلال من جهة ورئيس حكومة العدو الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين من جهة أخرى، فإنها لم تنجح بتطويع الشعوب، وبالتالي فإن القاهرة وعمان تتسلحان بمواقف شعبية مؤيدة مسبقاً لأية قرارات جريئة بإلغاء معاهدتين تحاول الحكومة المتطرفة في تل أبيب الخروج عليهما بعد فضيحتها الاستخبارية وفشلها العسكري الذي بدا جلياً خلال عملية طوفان الأقصى، والنوايا المبيَّتة بتهجير ما تبقى من فلسطينيين في غزة إلى سيناء المصرية، بالإضافة لترحيل أهالي الضفة الغربية المحتلة إلى الأردن، تحقيقاً لتهويد "الدولة" وتصفية القضية الفلسطينية بشكل تام.