عزت ابو علي - LebanonON
مع بداية الحرب في غزة في السابع من تشرين الأول الماضي خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليتحدث عن نبوءات سماوية وربط هذه الحرب بالعقيدة التلمودية.
على خطٍ موازٍ خرج كبار ساسة العالم لدعم إسرائيل على الفور، فيما تحدث أخصام هؤلاء عن المعركة الكبرى واقتراب زوال إسرائيل، فما هي هذه المعركة؟ متى ستحدث؟ مكان وقوعها؟ وما هي وجهة نظر الشرائع السماوية فيها؟
لكل بداية نهاية هذا ما يُجمع عليه البشر سواء اتبعوا التديُّن أو الإلحاد، ولذا وردت عبارة نهاية العالم في كل الشرائع السماوية، واللافت أن هذه النهاية الحتمية اتفق عليها أتباع الشرائع السماوية مكانياً وزمانياً وحتى اسمها أيضاً.
وفقاً لكتاب "الرؤيا" فإن "الهَرْمَجَدُّون" هو موقع تجمع الجيوش للمعركة الكبرى عندما يحين وقت النهاية، وبات هذا المصطلح يُشير إلى سيناريو نهاية العالم بشكل عام.
ظهرت كلمة "الهَرْمَجَدُّون" في العهد اليوناني، وهي مقتبسة عن كلمة عبرية "هار مجدون" وتعني "جبل مجدون".
تقع هذه المنطقة في فلسطين، وهي تلة صغيرة ليست بحجم جبل، أُنشئت من قِبل حضارات عدة عاشت فوق هذه البقعة الاستراتيجية، لذا بنوا الحصون بهدف حراسة طريق البحر، الذي كان يربط مصر القديمة مع الإمبراطوريات الشمالية من سوريا مروراً بالأناضول وصولاً إلى بلاد ما بين النهرين.
كان التل موقعاً لمختلف المعارك القديمة، ولأهمية المنطقة من الناحية الاستراتيجية والاقتصادية بدأت تشهد المعارك منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد.
المعركة الكبرى من الناحية الجغرافية
تقع المنطقة في مرج ابن عامر، على مقربة من مدينة جنين الفلسطينية، قيمتها الاستراتيجية تكمن في وقوعها على خط المواصلات بين القسمين الشمالي والجنوبي من فلسطين، على بعد 88 كيلومتراً شمال تل أبيب، 32 كيلومتراً جنوب شرق حيفا، وتبعد عن شواطىء المتوسط 24 كيلومتراً، ويفصلها عن بحيرة طبريا من الغرب مسافة 40 كيلومتراً، وتُعرف المنطقة اليوم باسم "تل المتسلم".
المعركة الكبرى من الناحية الدينية والزمانية
يقول الكاتب "هيل لنديسي" والذي يعتبر أن إسرائيل هي الخط التاريخي لمعظم أحداث الحاضر والمستقبل في كتابه "كوكب الأرض العظيم الراحل" إن القائد العسكري الفرنسي الشهير نابليون بونابرت قد وقف "بهضبة مجدو" ناظراً إلى الوادي وقال "جميع جيوش العالم باستطاعتها أن تتدرب على المناورات للمعركة التي ستقع هنا".
يعتقد اليهود بأن المعركة المسماة معركة هرمجدون ستقع في الوادي الفسيح المحيط بجبل مجدون في أرض فلسطين وأن المسيح سوف ينزل من السماء ويقود جيوشهم ويحققون النصر على الكفار.
ويستندون في إيمانهم بذلك إلى النص العبري الوارد في سفر الرؤيا "ثم سكب الملاك السادس جامه على النهر الكبير (أي الفرات)، فنشف ماؤه لكي يُعدَّ طريق الملوك الذين من مشرق الشمس، ورأيت من فم التنين ومن فم الوحش ومن فم النبي الكذاب ثلاثة أرواح نجسة شبه ضفادع فإنهم أرواح شياطين صانعة آيات تخرج على ملوك العالم وكل المسكونة لتجمعهم لقتال ذلك اليوم العظيم يوم الله القادر على كل شيء، ها أنا آت كمخلص، طوبى لمن يسهر ويحفظ ثيابه لئلا يمشي عرياناً، فجمعهم إلى الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدون".
وبحسب المعتقدات فإن اليهود هم الأكثر تشوقاً لهذا اليوم الموعود الذين يسمونه يوم الله، فخلال حرب الخليج الثانية في العام 1991، قال الحاخام الصهيوني المتطرف "مناحيم سيزمون" الذي يُعَدُّ الزعيم الروحي لحركة حياد اليهودية "إن أزمة الخليج تشكل مقدمة لمجيء المسيح المنتظر"، وسبقه للإيمان بهذه المعتقدات مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل الذي ادعى بأنه رأى في المنام " المسيّا (أي المسيح) الملك على صورة شيخٍ جميل الوجه وخاطبني بالقول اذهب وأخبر اليهود بأني سوف آتي عمَّا قريب لأجترح المعجزات العظيمة ولإسداء عظائم الأعمال لشعبي وللعالم كله"، وسبق الرجلين إلى ذلك أحد أنبياء بني إسرائيل "يوئيل" الذي قال عن هذا اليوم "انفخوا في البوق في صهيون، اهتفوا في جبلي المقدس، ارتعدوا يا جميع سكان العالم، يوم الرب مقبل، وهو قريب، يوم ظلمة وغروب، يوم غيم وضباب".
تقول الشريعة المسيحية إن يسوع سوف يعود إلى الارض ويهزم الدجال "الوحش والنبي الكاذب والشيطان في معركة الشيطان هرمجدون"، ثم يتم طرح الشيطان في الهاوية لألف عام، والمعروفة باسم "الألفية".
وبعد إطلاق سراحه من الهاوية، "يستدعي الشيطان يأجوج ومأجوج من زوايا الأرض كافة، وسوف يعسكروا إلى المدينة الحبيبة المحيطة بالقديسين (في إشارة إلى القدس)، ثم تأتي النار من عند الله، من السماء وتلتهم يأجوج ومأجوج والشيطان، ثم يتم الزج بهم في جهنم، في بحيرة النار).
ويؤمن الاعتقاد المسيحي بيوم يحدث فيه صدام بين قوى الخير والشر، وسوف تقوم تلك المعركة في أرض فلسطين في منطقة مجدو أو وادي مجدو، متكونة من 200 مليون جندي يأتون لوادي مجدو لخوض حرب نهائية.
قبل 39 عاماً وتحديداً في العام 1984 أجرت مؤسسة يانكلوفينش استفتاءً أظهر أن 39% من الشعب الأمريكي أي حوالي 85 مليوناً يؤمنون بحديث الإنجيل عن تدمير الأرض بالنار قبل قيام الساعة، وأعادوا الأمر إلى حرب نووية فاصلة.
وسبقهم في ذلك القس الأميركي الشهير بيلي غراهام في العام 1977 الذي قال إن "يوم مجدو على المشارف، وإن العالم يتحرك بسرعة نحو معركة مجدو، وإن الجيل الحالي سيكون آخر جيل في التاريخ، وأن هذه المعركة ستقع في الشرق الأوسط، واعتبر أنه من الناحية الدينية كما قال "سيدمر الملك المسيح تماماً القوى المحتشدة بالملايين للدكتاتور الفوضوي الشيطاني".
يختلف المسلمون بين سنة وشيعة في نظرتهم للمعركة الكبرى، فيرى السُنَّة أنه وفقاً للأحاديث النبوية فإن هناك ملحمة كبرى وحرب عظيمة تكون بين الروم والمسلمين ضد عدو مشترك في آخر الزمان، ثم فيما بينهما بعد ذلك، قبل خروج الدجال، وتحدث هذه المعركة بعد أن ينتصر المسلمون والروم في القتال جنباً إلى جنب ضد العدو المشترك لهم، ثم ينشب صراع بين الجانبيين، حيث يقول المسيحيون إن الصليب أتى بالنصر، فيرد المسلمون بالقول إن الله انتصر ثم يقومون بكسر الصليب، فتندلع الحرب ويكون معسكر المسلمين عند غوطة دمشق ومعسكر الروم عند دابق، وفي هذه المعركة يُقتَل ثلث جيش المسلمين، ويفر ثلث، وينتصر الثلث الآخر، ويستمرون في المضي حتى يفتحون القسطنطينية، ثم يظهر بعدها الدجال لفتنتهم، فيُرسِل الله نَبِيَّهُ عيسى المسيح ابن مريم لتخليصهم، فيقتل الدجال زيُغرِق حربته بدمه.
ويعتقد أتباع المذهب الشيعي أنه قد ورد ذكر لهذه المعركة والمعركة التي تسبقها وهي معركة تحرير القدس في أحاديث مسندة إلى النبي محمد وآل بيته، والتي تذكر المراحل النهائية لحركة الإمام المهدي المنتظر في آخر الزمان، ويؤمن الشيعة بأن طرف المعركة الكبرى المباشر هو السفياني (من الحجاز منافس للإمام المهدي، ومنهم من يرونه مجرد انتقاد سياسي للدولة الأموية التي انحدرت من نسل "أبو سفيان" والد معاوية وجد يزيد وهما من ألدِّ أعداء الشيعة) وخلف السفياني سيقف اليهود ودول أوروبا، ويمتد محور من أنطاكية إلى عكا أي على طول الساحل السوري، اللبناني والفلسطيني ثم إلى طبريا ودمشق والقدس، وفيها تحصل هزيمتهم الكبرى الموعودة، وتورد الروايات أن المهدي المنتظر يعقد بعد هذه المعركة هدنة مع الروم مدتها سبع سنين وأن النبي عيسى ابن مريم يكون وسيطاً فيها، لكن الروم يخرجون على العهد، ويأتون بثمانين فرقة في كل فرقة إثنا عشر ألف مقاتل، وتكون هذه هي المعركة الكبرى التي يقتل فيها كثير من أعداء الشيعة، الذين وصفوها بأنها الملحمة العظمى أو مأدبة مرج عكا أي مأدبة السباع وطيور السماء من لحوم الجبارين، ثم يدخل الروم في الإسلام فيبني لهم مسجداً ويستخلف عليهم رجلاً من أصحابه يعلِّمهم الإسلام وأحكامه.
المعركة الكبرى من الناحية السياسية
من الملاحظ أن ساسة الدول الكبرى يتسابقون إلى تثبيت فكرة المعركة، خاصة بتفسيرها اليهودي لدى الشعوب للحصول على مكاسب سياسية، وتنفيذاً لمآرب الصهيونية العالمية وإرضاءً لدولة إسرائيل.
إثباتاً لذلك، تقول الكاتبة الأميركية "جريس هالسل" في كتابها "النبوءة والسياسة" إن النبوءات التوراتية تحولت في الولايات المتحدة إلى مصدر يستمد منه عشرات الملايين من الناس معتقداتهم"، لكن الأخطر من ذلك ما أشارت إليه "هالسل" من أن المرشحين لانتخابات الرئاسة الأميركية يعتقدون باقتراب نهاية العالم ووقوع معركة هرمجدون، ولهذا فهم يشجعون على التسلح النووي ويستعجلون وقوع هذه المعركة باعتبار أن ذلك سيقرب مجيء المسيح، إرضاءً لمراكز القوة الإسرائيلية في الولايات المتحدة والمتمثلة بجماعات الضغط التي تلعب دوراً رئيسياً في إيصال أي مرشح للانتخابات الرئاسية إلى البيت الأبيض.
ليس هذا فحسب بل إن الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغن قال في العام 1980 وخلال حملته الانتخابية وقبل توليه المنصب في العام 1981 قال ما حرفيته إننا قد نكون الجيل الذي سيشهد معركة هرمجدون، وفي تصريح آخر له اعتبر أن هذا الجيل بالتحديد هو الجيل الذي سيرى هرمجدون.
يشارك ريغين الإيمان بهذا المعتقد الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، الذي نقلت عنه مجلية "دير شبيغل" الألمانية عام 2008 أنه من الستين مليون أمريكي الذين يؤمنون بالولادة الثانية للمسيح الذي هو أهم الفلاسفة السياسيين في جميع الأزمنة وساعده على التوقف عن شرب الخمر.
وعلى المستوى الحقوقي وفي العام 1990 أصدرت منظمة حقوق الإنسان تقريراً كشفت فيه عن تواجد هيئات وجمعيات سياسية وأصولية في كل دول العالم تتفق في أن نهاية العالم قد اقتربت، وأن العالم يعيش الآن في الأيام الأخيرة التي ستقع فيها معركة هرمجدون، وهي المعركة الفاصلة التي ستبدأ بقيام العالم بشن حرب ضد دولة إسرائيل، وبعد أن ينهزم اليهود يأتي المسيح ليحاسب أعداءهم ويحقق النصر، ثم يحكم المسيح العالم لمدة ألف عام يعيش العالم في حب وسلام كاملين.