عزت ابو علي – LebanonOn
تعيش المؤسسات العامة في لبنان حالة من الموت السريري منذ بداية الأزمة الاقتصادية أواخر العام 2019، وباتت هذه المؤسسات عاجزة عن تأدية الخدمات إلى المواطنين الذين تتكدَّس معاملاتهم في أدراج هذه المؤسسات، أو ينتظر المواطن فتح هذه المؤسسات بغية متابعة حياته التي باتت مرهونة بفتح إدارات الدولة.
في البداية شكا موظفو الإدارات العامة من رواتبهم التي تآكلت بفعل الارتفاع الصاروخي لسعر صرف الدولار الأميركي مقابل العملة المحلية، عملت الحكومة على زيادة رواتبهم بمعدَّل سبعة أضعاف، وربطت الاستفادة من ذلك بحضورهم 14 يوماً في الشهر، وهذا ما حصل.
إلا أنه ورغم عودة الموظفين بشكل جزئي إلى مكاتبهم، تفتقد هذه الدوائر الرسمية لأدنى مقومات العمل، فلا أوراق للطباعة ولا محابر للطبع حتى القرطاسية اللازمة للعمل بات على الموظف أن يشتريها من جيبه الخاص، هذا بالإضافة إلى انعدام الكهرباء والمياه والصيانة في هذه الدوائر.
وتعتبر هذه الدوائر مصدراً رئيسياً لمداخيل الدولة من خلال الجباية، وهي باتت تبحث بشكل منفرد عن حلول لبقائها على قيد العمل ولكي لا تلفظ أنفاسها الأخيرة.
من بين هذه المؤسسات هيئة إدارة السير والآليات المعنية بتسجيل السيارات والآليات وهي تعتبر إحدى أهم المؤسسات المنتجة التي تؤمن مداخيل مرتفعة لخزينة الدولة، حيث عمدت هذه الهيئة إلى فرض بدلات مالية إضافية على المستفيدين لقاء الخدمات التي توفّرها كرخص السوق ورخص السير ولوحات التسجيل واللاصقات الإلكترونية ورخص السوق الدولية وغيرها من الخدمات.
وتضاف البدلات المالية المُقرة حديثاً إلى الرسوم المحدّدة قانوناً، والمفروضة على الخدمات عينها.
وتتطلب استمرارية العمل بحسب الهيئة فرض بدلات مالية لتغطية تكاليف الخدمات، وقد استحصلت الهيئة على رأي استشاري من ديوان المحاسبة رقم 21/2023 تاريخ 12/9/2023 بنت عليه قرارها بفرض بدلات مالية تم إقرارها في اجتماع مجلس إدارة الهيئة بتاريخ 5/10/2023، لقاء الخدمات التي توفرها المصلحة وتضاف إلى قيمة الرسوم المحددة قانوناً.
وبات على المواطن أن يدفع بدل مالي قدره 1800000 ليرة لبنانية لاستبدال رخصة سوق من فئة إلى أخرى، وإصدار لوحة تسجيل حديثة، والاستحصال على رخصة سوق أو تجديدها أو بدل عن ضائع أو تلف، فيما باتت تكلفة إصدار رخصة سوق دولية 1500000 ليرة لبنانية، ولقاء إصدار رخصة سير بات على المستفيد أن يدفع 1400000 ليرة لبنانية، ومبلغ 1000000 ليرة لبنانية لإصدار لاصقة الكترونية، في حين تبلغ تكلفة استمارة رخصة سوق للخارج 500000 ليرة لبنانية، وتتقاضى الهيئة هذه البدلات عبر إحدى شركات تحويل الأموال المعتمدة Whish money ،OMT، Bob Finance ، Cash Plus بموجب إيصال تحصيل صادر عن هيئة إدارة السير.
ماذا عن قانونية الأمر؟
مصدر في وزارة المالية قال لـ LebanonOn أن ديوان المحاسبة اعتبر أن استمرار عمل هيئة السير وتأمينها الخدمات يستلزم فرض بدلات مالية إضافية لتغطية تكاليفها، لذا وبحسب الديوان فإن الهيئة تعتبر مستقلة وعليها تمويل نفسها بنفسها، في وقت لا تزال الرسوم القانونية متدنية جداً، وهي تكلفة لا تغطي ثمن الطباعة.
ويرى المصدر أنه لا يمكن فرض رسم أو تعديل رسم أو الغاء رسم إلا بموجب مرسوم صادر عن مجلس الوزراء، وإن كان من حق هيئة إدارة السير أخذ رأي ديوان المحاسبة في كل ما يتعلَّق بالمال، لكن في المقابل لا يمكنها تعديل الرسوم إلا بموجب مرسوم، أما فيما يتعلق بالضرائب، فإنها لا يمكنها تعديل أو استحداث ضريبة أو تعديلها إلا بموجب قانون أو بموجب مراسيم اشتراعية (تفويض من مجلس النواب الى الحكومة).
حالات مشابهة!
يلفت المصدر لـ LebanonOn أنه في السابق عدَّلَت مؤسسات المياه في المحافظات رسوم التعرفة، لكن ما يصلح هنا ليس بالضرورة أن يكون سارياً في مؤسسات أخرى، فالمبدأ العام يقول إن التعديل يتم بموجب مرسوم، لكن في المقابل إذا كان هناك أية نصوص قانونية في نظامها الخاص بالإجازة بتعديل الرسوم دون لجوء الى استصدار مرسوم، وفي هذه الحالة يتوفر نص قانوني يعطي الحق لمدير عام المؤسسة أو مجلس الإدارة بتعديل الرسم، على اعتبار أن المؤسسات العامة لها شخصية معنوية واستقلال مالي وإداري.
وأبعد من ذلك فإن القانون يعطي صلاحيات واسعة إلى المدراء العامين للمؤسسات المستقلة، فعلى سبيل المثال إذا كان قرارهم بحاجة إلى توقيع من سلطة الوصاية أي الوزير المختص فإن السلطة لها حق القبول أو الرفض ولا يمكنها تعديل أي قرار.
ماذا عن الإدارات العامة؟
يشدد المصدر لـ LebanonOn أن الوضع بالنسبة إلى الإدارات العامة مختلف جداً فالإدارة العامة لا يمكنها أن تفرض أي رسم أو تعديله إلا بموجب مرسوم بِنَاء لاقتراح الوزير المختص، مثلاً وزير المالية فيما يخص وزارة المال، أو مثلاً اصدار رسم على إشغال الأملاك العمومية فذلك يحتاج إلى مرسومٍ بِنَاء لاقتراح وزير المالية ووزير الاشغال العامة، لأن الإدارة العامة لا تملك قانوناً شخصية معنوية.
ويؤكد المصدر لـ LebanonOn أن استمرار العمل في الإدارات يقتضي إصدار مرسوم، مثلاً لتشريع صدور استيفاء رسم تصوير، ولقوننة ذلك لا بد من أن يرد نص قانوني، على سبيل المثال، مشروع موازنة العام 2024 تضمن عبارة "دفع رسم للمعاملات المستعجلة".
ماذا عن دور مجلس شورى الدولة؟
يقول المصدر لـ LebanonOn أن استشارة مجلس شورى الدولة اختيارية غير ملزمة قبل صدور المراسيم، لكن مجلس شورى الدولة يعد أساسياً في عملية تحديد آلية تنفيذ المراسيم بعد صدورها.
في المُحَصِّلَة، يبقى تأمين سير المرفق العام مبدأ دستورياً لا يمكن التهاون به، وعلى الحكومة العمل لتعزيز الإدارة والحفاظ على سير المرفق العام من خلال مواجهة كل الظروف والتأقلم معها.