عزت ابو علي - LebanonOn
تعيش غزة تحت حصار إسرائيلي خانق منذ 18 عاماً، حيث يُراقب الاحتلال كل ما يدخل إليها ويخرج منها مُستخدماً أحدث معدات التفتيش على المستوى العالمي.
شكَّل ذلك تحدياً لحركة حماس التي تحكم القطاع، ووضعت كتائب القسام الجناح العسكري لها نُصب أعينها تطوير نفسها عسكرياً استعداداً لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية ومنع جيش العدو من التوغل برياً واحتلال غزة.
ترتبط حماس بعلاقات وثيقة مع إيران وحزب الله في لبنان، وهي استفادت من كم الخبرات الهائلة التي يمتلكها مقاتلو الحزب في صراعهم ضد إسرائيل، وكذلك من الأسلحة الإيرانية التي تمكَّنت طهران من صناعتها تحدياً للحصار الدولي المفروض عليها.
كيف أُدخِل السلاح إلى غزة في البداية؟
شكَّل السودان معبراً رئيسياً للأسلحة القادمة إلى قطاع غزة، زمن حكم البلاد من قِبَلِ الرئيس السوداني السابق عمر البشير، الذي كان مُقرباً من الأخوان المسلمين، فكانت الأسلحة تصل جواً إلى السودان ومن ثم يتمُّ تهريبها إلى سيناء في مصر المحاذية لقطاع غزة.
في ذلك الوقت كانت حماس تحفر الأنفاق في منطقة رفح في غزة، وعلى الجانب الآخر كان المصريون من أهالي رفح المصرية يمهدون الطريق لحماس التي استطاعت وصل القطاع المحاصر بالأراضي المصرية عبر شبكة الأنفاق التي شكَّلت معبراً آمناً لوصول السلاح والمُدربين للقطاع، وهكذا كانت تعتمد حماس في تسليحها على الخارج، واستفادت من دعمٍ إيراني ومساندة سودانية وغض طرف مصري زمن حكم الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك.
مع نجاح الثورة في مصر التي أطاحت بحكم مبارك ووصول الأخوان المسلمين إلى السلطة واعتلاء الرئيس المصري الراحل محمد مرسي سدة الحكم، بات دخول السلاح من مصر إلى قطاع غزة يتم بطريقة أسهل من السابق، فالسلطة المصرية الجديدة تربطها علاقات ايديولوجية بحماس وترى أن من واجبها القيام بذلك.
سقط حكم الأخوان في مصر على يد الجيش وبات عبد الفتاح السيسي العدو اللدود للأخوان رئيساً للبلاد بالتزامن مع سقوط حكم البشير في السودان وتولي عبد الفتاح البرهان الذي تربطه علاقات وثيقة مع إسرائيل مقاليد الحكم الانتقالي، عَمِلَ السيسي على تدمير الأنفاق عبر إغراقها بالمياه تارة وتدميرها بالمتفجرات تارة أخرى، في وقت لم يعد باستطاعة حماس استخدام السودان لإيصال الأسلحة حيث باتت قوافلها صيداً سهلاً للمُسيَّرات الإسرائيلية.
لم يكن أمام حماس إلَّا الاعتماد على الذات لمدِّ نفسها بالسلاح، وهنا ظهرت الخبرات الفلسطينية التي استفادت من مواد أولية محلية لتصنيع الأسلحة.
المفاجأة لم تكمن بقدرة حماس على صناعة السلاح فحسب، بل، بفاعلية ما تمَّ إنتاجه، حيث كانت عملية طوفان الأقصى التي اندلعت في السابع من شهر تشرين الأول الماضي حقل التجارب لما تمَّ إعداده.
نظَّمت حماس نفسها براً وجواً وبحراً، وفضلاً عن الأسلحة الخفيفة ظهرت إلى العلن منظومات من الأسلحة أسهمت بوصول مقاتليها إلى غلاف غزة بالإضافة إلى إلحاقهم الأذى الكبير بالآلة العسكرية الإسرائيلية التي تُعَدُّ من الأحدث في العالم.
ما هي منظومات الأسلحة التي ظهرت إلى العلن في القتال الميداني؟
براً نجحت حركة حماس بإنتاج القذيفة المضادة للدروع "الياسين 105" تيمناً باسم مؤسس الحركة وزعيمها الروحي الشيخ أحمد ياسين الذي اغتالته إسرائيل بضربة جوية في غزة قبل أعوام عدة، طُوِّرت هذه القذائف المحمولة ضد المدرعات، لتنفجر على مرحلتين، ونجحت بتحقيق إصابات على مسافات أقل من 250 متراً، حيث حوَّلت دبابات الميركافا وعربات النمر المدرعة وناقلات الجند الإسرائيلية إلى كتل نارية، عطَّلت نجاح الغزو البري للقطاع.
إلى جانب ذلك تمكَّن خبراء حماس من صنع منظومة "رجوم" الصاروخية، التي استُخدِمَت في القصف التمهيدي لغلاف غزة قبل اجتياحه من قِبَلِ مقاتليها، وَتُعّدُّ هذه الصواريخ الأساس في التمهيد الناري لتقدم المشاة على غرار الجيوش النظامية، وتتألف من صواريخ قصيرة المدى من عيار 114 ملم وتُطلق من الراجمات وتتميَّز بكثافتها النارية مما يؤمن غطاءً فعَّالاً للمقاتلين على الأرض.
جوَّاً كشفت حماس عن منظومة "متبَّر" ووضعتها في الخدمة منذ الأسبوع الأول لعملية طوفان الأقصى، وتُعتَبَرُ هذه المنظمة من وسائط الدفاع الجوي، وهي عبارة عن صواريخ أرض جو مضادة للطائرات وقادرة على تهديد المروحيات بشكل خاص، لكن عيبها التقني أنها غير موجهة وتعمل على إصابة الأهداف بناءً على المسار المتوقع للأجسام الطائرة، وهي وإن نجحت في تحييد سلاح المروحيات إلى حدٍ بعيد، إلَّا أنها لم تتمكن من التعامل بكفاءة مع المقاتلات الحربية الإسرائيلية.
يُضاف إلى ذلك سرب "صقر" ويتشكل من فرقة من المظليين مع طائراتهم الشراعية، وأثبت السرب نجاحه في عملية طوفان الأقصى واجتياح مستوطنات غلاف غزة، حيث تمكن المظليون من التسلل خلف خطوط العدو الإسرائيلي، وهبط المظليون داخل مدن الغلاف والثكنات والقواعد العسكرية ولعبوا دوراً أساسياً بفتح الطرق للمقاتلين على الأرض للسيطرة على المنشآت الإسرائيلية والقضاء على فرقة غزة المعادية التي كانت مكلفة بحصار القطاع وتأمين مدن الغلاف.
ونجحت حماس أيضاً بابتكار المسيرات خاصة النسخة الأحدث التي تُسمى "شهاب"، وطُوِّرَت هذه المُسيَّرة لتصبح قادرة على حمل ما بين 30 و 50 كيلوغراماً من المتفجرات، ونفَّذت هجمات انتحارية على الأهداف الإسرائيلية، وتُضاف هذه المُسيَّرة إلى جانب نظيراتها "الزواري" التي صممها التونسي محمد الزواري لصالح حماس والذي اغتاله الموساد قبل أعوام قليلة، ومُسيَّرة "أبابيل 1" التي سبق ودخلت الخدمة في المعارك السابقة.
وعلى المستوى البحري نجحت حماس عُدةً وعديداً، فعلى مستوى التجهيز صنع خبراؤها طوربيد "العاصف" وهو صاروخ بحري بدائي، محلي الصنع يعمل على وجه الماء وكشفت عنه كتائب القسام في الـ 31 من تشرين الأول الماضي، ونجح الطوربيد إلى حدٍ كبير في تعطيل الهجمات البحرية الإسرائيلية ضد القطاع وأسهم في عدم قيام إسرائيل بأي إنزال بحري على شاطىء قطاع غزة.
بشرياً، أنشأت حماس "فرقة الكوماندوس البحري" وَنَفَّذَت الضفادع البشرية عمليات تسلل بحري إلى مستوطنة عسقلان، وتمكنت من إشغال قوات العدو الإسرائيلي لفترة عشرة أيام بعد عملية طوفان الأقصى من خلال دوام القدرة على اختراق خطوط العدو والتسلل إلى داخل غلاف غزة، وتنفيذ عمليات خاصة داخل ثكنات جيش الاحتلال ومراكزه الذي يؤمن من خلالها المستوطنات.
تدرك حماس جيداً أن قصف الأماكن الحيوية في جميع الأراضي المحتلة يُعتبر عاملاً أساسياً في معادلة الصراع لناحية إرهاق العدو الإسرائيلي وإجباره على وقف عدوانه والتوصل لوقف إطلاق النار، وإن كانت القسام قد استهدفت خلال الحروب السابقة بين غزة وإسرائيل مستوطنات الغلاف وما أبعد من ذلك بقليل بصليات الصواريخ، فإنها أستخدمت هذه المرة صاروخ "عياش 250" التي أماطت اللثام عنه في العام 2021، وسُمي بذلك تيمناً بقائد كتائب القسام الأسبق يحي عياش الذي اغتالته إسرائيل قبل فترة طويلة عبر تفجير قنبلة زرعها عملاؤها في هاتفه المحمول، وخلال عملية طوفان الأقصى أطلقت القسام صواريخ العياش التي يصل مداها إلى 250 كيلومتراً، وبذلك أصبحت القسام قادرة على قصف كل مساحة الأراضي المحتلة من مستوطنات الحدود الشمالية مع لبنان وصولاً إلى إيلات جنوباً، مروراً بالقدس وتل أبيب.
وَيُقَدِّرُ الخبراء العسكريون الوزن المتفجر لهذا الصاروخ بـ 300 كيلوغراماً، وله المدى والقدرة التدميرية الأكبر بين سائر الترسانة الصاروخية للقسام.
لكن الأهم من ذلك كله ومن هذه الترسانة الكبيرة البنية التحتية لحماس، حيث بنت كتائب القسام ممرات وأنفاقاً وسراديب تحت الأرض، يخرج منها المقاتلون للتصدي لقوات الاحتلال، بالإضافة إلى تواجد مصانع الأسلحة وشبكات الاتصال وغرف العمليات ومراكز القيادة والسيطرة فيها، وهو الأمر الذي أبعدها عن عيون الاحتلال وعملائه وأمَّن سرية بالغة في عمل القسام وأسهم في نجاحها، وتُعرف هذه الشبكة بمترو غزة وتمتد على طول 500 كيلومتر.
هل من جديد؟
يقول مصدر مطلع في غرفة العمليات المشتركة في غزة لـ LebanonOn إن فصائل المقاومة لم تكشف بعد عن كل قدراتها للعدو ولن يتم ذلك إلا بحسب سير المعركة، ويطمئن المصدر بأنه وعلى الرغم من القصف العنيف للقطاع فإن قدرات الفصائل عسكرياً ولوجستياً لم تتضرر، ويُضيف بأن فصائل المقاومة لم تستخدم من قدراتها بعد إلا النُذر اليسير بالتزامن مع متابعة المصانع لإنتاج السلاح أعمالها بشكل عادي، ويؤكد أن المقاومة لا زالت تختزن الكثير من المفاجآت للعدو الذي لن يجنيَ من عدوانه إلا جرَّ أذيال هزيمة جديدة تُضاف إلى سلسلة إخفاقاته العسكرية في صراعه المفتوح مع غزة.