عزت ابو علي – LebanonON
يُوصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالمتطرف دينياً، فهو يرى أن كل ما يقوم به من أعمال هي تكليف ديني، ويشكو نتنياهو على الدوام من تراجع التمسك بالدين في المجتمع اليهودي ويتحدث عن خطورة ابتعاد الدين عن جيشه خاصة بين أبناء الجيل الجديد في "إسرائيل".
في السابع من شهر تشرين الأول الماضي أطلقت حركة حماس عملية طوفان الأقصى، ما شكَّل ضربة كبيرة لنتنياهو وحكومته المتطرفة، سعى نتنياهو يومها لجمع أخصامه ضمن حكومة ائتلافية ونجح في ذلك هرباً من تحمُّل المسؤولية بشكل منفرد، لكنه لم يقف عند هذا الحد بل سعى إلى تحويل عدوانه على الفلسطينيين إلى حرب دينية، بغية تجييش الشارع "الإسرائيلي" واصطفافه خلف الحكومة في هذه الحرب التي قال عنها كبار السياسيين والعسكريين في "إسرائيل" إنها الأخطر منذ تأسيس كيان الاحتلال في العام 1948.
في الخامس والعشرين من شهر تشرين الأول الماضي تحدَّث رئيس الوزراء الإسرائيلي عن "نبوءة إشعيا" خلال خطاب متلفز، وقال "نحن أبناء النور بينما هم أبناء الظلام، وسينتصر النور على الظلام"، وأضاف "سنحقق نبوءة إشعيا"، لن تسمعوا بعد الآن عن الخراب في أرضكم، سنكون سبباً في تكريم شعبكم، سنقاتل معاً وسنحقق النصر".
فما هي "نبوءة إشعيا"؟
هي نبوءة ذكرت في الكتاب المقدس العهد القديم "التوراة" بسفر إشعيا المؤلف من 66 إصحاحاً، وإشعيا نبي يهودي لمملكة يهوذا الجنوبية، وهو من كتب سفر إشعيا الذي ذكرت فيه نبوءات عدة.
إشعيا نبي من أنبياء الله عند اليهود، ولقب بـ"النبي الإنجيلي" لكثرة كتابته عن المسيح، وهو من نسل ملكي، والده آموص، وقيل إنه أخ أمصيا ملك يهوذا، عُرِفَ بشخصيته القوية وتأثيره على رجال الدولة، وكان مصلحاً اجتماعياً.
امتدت رسالة "إشعيا" لأكثرمن 60 عاماً، وتوفي عن عمر ناهز الـ 80 عاماً، وعاصر "إشعيا" ملوك يهوذا عزيا، يوثام، أحاز وحزقيا، ويعتبره اليهود أحد أعظم أنبياء العهد القديم، وكانت نهاية "إشعيا" بمقتله عبر قطعه بمنشار خشبي في زمن حكم الملك منسَّى.
يتكون السِفر أي الكتاب من 66 إصحاحاً، ويُعَدُّ أحد أعمق الكتابات اللاهوتية والأدبية في الكتاب المقدس، كتبه النبي "إشعيا".
جُمِعَ السِفر على مدار قرنين، بدءاً من النصف الثاني من القرن الثامن قبل الميلاد إلى النصف الثاني من القرن السادس قبل الميلاد، وجاءت كتابته في غالبيتها بشكل شعري ويعتبر اليهود "إشعيا" أعظم أنبياء العهد القديم، ويُعَدُّ الكتاب نصاً رئيسياً من العهد القديم، وهو ليس بنبوءة واحدة، وإنما نبوءات عدة.
قبل الخوض في سفر "إشعيا" لا بدَّ من معرفة أعظم أمر عند اليهود دينياً.
يَقسِم اليهود تاريخهم الديني إلى قسمين ما قبل السبي البابلي وما بعده فما هو السبي البابلي؟
شكَّل السبي البابلي جوهر عقيدة الشتات في الشخصية اليهودية عبر عصورها وبالنسبة لشتات اليهود الأول بدأ بعد انقسام المملكة الموحدة بزعامة سليمان إلى مملكتين، إحداهما الشمالية وعاصمتها السامرة والأخرى الجنوبية وعاصمتها أورشليم.
كان ذلك بالتزامن مع وجود صراع سياسي وعسكري كبير بين الإمبراطورية الآشورية والمصرية على مناطق النفوذ والسيطرة وكان محور النزاع بلاد الشام وخاصة فلسطين، في تلك الأثناء ساند يهود المملكة الشمالية التي كانت اسمها مملكة إسرائيل الجانب المصري مما أثار حفيظة سنحاريب ملك آشور الذي صمم على إخضاع تلك المنطقة فقام بحملة على المملكة الشمالية في عام 697 ق.م ، فحطم هيكلها وشرد أهلها وأعمل القتل والسبي في أهلها، وأخذهم سبياً إلى آشور وانتهى بذلك ذكر المملكة الشمالية، وبقيت المملكة الجنوبية يهوذا ردحاً من الزمن وثم حاول الآشوريون اسقاط مملكة يهوذا أيضاً بسبب عدم قبولهم دفع الجزية إلى ملك اشور ويقول الكتاب المقدس بعد أن شتم الملك سنحاريب آلهة مدينة أورشليم أرسل الله الملاك فقتل 850 ألف جندي من الجيش الاشوري فعادوا أدراجهم ولم يحاولوا إسقاط المملكة اليهودية وبعد سقوط مملكة آشور تصارع البابليون والمصريون لكن البابليين تمكنوا من هزيمة المصريين فتمكنوا من إخضاع تلك المنطقة بالكامل فحاصر نبوخذ نصر مدينة أورشليم في عام 586 ق.م ودمر هيكلها وسبى عدداً كبيراً من اليهود ومع هذا السبي انتهى أي وضع سياسي جغرافي لليهود في المنطقة وقد تمت العودة لليهود إلي أرض فلسطين مرة أخرى بعد سقوط الأمبراطورية البابلية الثانية على يد قورش الأكبر حاكم فارس في ذلك الوقت، والذي سمح لليهود بالعودة إلي أرض فلسطين مرة أخرى، ويعتبر بعض المؤرخين هذا الأمر بأنه وعد بلفور الأول وهو الأمر الذي استمد منه بلفور وعده لليهود.
من هذا الحدث التاريخي ننطلق للحديث حول إيمان اليهود بنبوءة "إشعيا" فهذا النبي بالنسبة لهم بشرهم بهذا السبي قبل حصوله، وبالتالي باتوا يؤمنون تمام الإيمان بكل توقعاته لهم.
توقعات يؤمن بها اليهود من السبي إلى بابل وعودة اليهود إلى فلسطين، بالإضافة إلى إعادة بناء الهيكل في القدس، وهو حسب غالبية الدراسات الكتابية عمل جماعي، نصفه تقريباً كتبه النبي "إشعيا" والباقي تلامذته نقلاً عنه، ويتكون من 66 فصلاً، ويتناول نهاية منفى الشعب اليهودي، وإعادة بناء الهيكل في القدس، ونهاية الزمان.
ويتحدد مجال نبوءاته في 3 أوجه، الأول نبوءات دنيوية عن إسرائيل، والثاني نبوءات مشؤومة عن سقوط بعض الدول ودمارها، والثالث خلاص اليهود، وشمل إلى جانب ذلك جوانب دينية وسياسية وتاريخية.
وكانت الإصحاحات من 1 إلى 5 عبارة عن لومٍ لبني إسرائيل، إذ يوبخهم "إشعيا" ويلومهم أشد اللوم بسبب تورطهم في الرشاوى وبسبب فساد قضائهم وظلمهم للمساكين، وبذخهم وترفهم، وطمعهم وسكرهم وانعدام الأخلاق لديهم، ثم يشير لاحقاً إلى عودة اليهود من ضلالهم وانحرافهم وتجاوزاتهم.
وذكر في الإصحاح أن دمشق والسامرة ستسقطان، وتنبأ بتمدد حكم الآشوريين على الشرق الأوسط، وذكر أن بابل ستشكل خطراً على مملكة يهوذا، وأن على الأخيرة ألا تعتمد على مصر في محاربة الآشوريين، وذكر أن الخلاص والنصر بيد الله وأنه السند والحليف الوحيد لبني إسرائيل.
يبدو أن نتنياهو استمد تشبيهه من فقرات 1-2 في الإصحاح 9 من سفر إشعياء الذي يقول "لكن لن يخيم ظلام على الذي يعاني من الضيق، فكما أذل الله في الزمن الغابر أرض زبولون ونفتالي، فإنه في الزمن الأخير يكرم طريق البحر وعبر الأردن، جليل الأمم، الشعب السالك في الظلمة أبصر نوراً عظيما، والمقيمون في أرض ظلال الموت أضاء عليهم نور"، وبحسب نتنياهو فإن إسرائيل هي أرض النور وأهلها الذين يجب أن ينتصروا على أهل الظلام أي الفلسطينيين، في السياق الجيوسياسي الحالي.
وذكر نتنياهو تعليلاً لهجوم الاحتلال برياً على قطاع غزة في أعقاب عمليته "السيوف الحديدة" في تشرين الأول الماضي أنه سيحقق نبوءة "إشعيا".
كما تعود كلمة نتنياهو أيضاً إلى الإصحاح 60 وعنوانه إشراق نور الرب، والذي يقول "ولا يُسمع بعد ذلك ظلم في أرضك، ولا دمار أو خراب داخل تخومك، بل تسمين أسوارك خلاصاً، وأبوابك تسبيحاً".
وفي الجزء الثاني من حديثه عن القتال والنصر، فقد يكون نتنياهو قد قصد ما ذكر في إصحاح 11، الذي يقول "فيعود الرب ليمد يده ثانية ليسترد البقية الباقية من شعبه، من أشور ومصر وفتروس وكوش وعيلام وشنعار وحماة، ومن جزائر البحر، وينصب راية للأمم ويجمع منفيي إسرائيل ومشتتي يهوذا من أطراف الأرض الأربعة، وينقضون على أكتاف الفلسطينيين غرباً ويغزون أَبناء المشرق معاً، ويستولون على بلاد أَدوم وموآب، ويخضع لهم بنو عمون".
هذه النبوءة أيضاً تحدَّثت في إصحاحها الـ 11 عن خراب مصر وما سيحل بها وعن جفاف نيلها وأرضها، وأنه سيولى عليها ملك عنيف قاسٍ، وستكون مصدراً للذعر والرعب لكثير من الأمم، وستهزم من قوى خارجية، وستكون في فترة ملجأً آمناً للمعوزين والمضطهدين، ثم تعود للرب عبر تقديم النذر والتضحيات، وبعدها تتحالف مع آشور.
خطاب نتنياهو الديني لاقى انتقاداً كبيراً من قِبَلِ مراجع يهودية قالت إن الذي يسير في الظلام في سفر "إشعياء" ليس العدو المجاور، بل الشعب اليهودي نفسه، الذي يمر بكل تأكيد بمحنة سياسية وروحية، مشددة على أن المعاني تختلف عمّا ذهب إليه نتنياهو، فالكتاب شديد التعقيد ولا يُفهم إلا في ضوء السياق التاريخي في ذلك الوقت، وهو الأمر الذي يُفسِّر سعي نتنياهو واستماتته لتحويل الحرب إلى دينية وتجييش الشارع الإسرائيلي خلفه في سعيه لتجنب أية خسارة باتت متوقعة لحربٍ ستضعه حتماً خلف القضبان ليقضي في السدن ما تبقى من أيام حياته.