عزت ابو علي - LebanonON
تلف الضبابية مشهد العدوان الإسرائيلي على غزة في أسبوعه الرابع، ويبدو أن أهداف إسرائيل لم يتحقق منها أي شيء لغاية الآن، خاصة القضاء على فصائل غزة وعلى رأسهم حركة حماس وتحرير الرهائن.
مصدر في غرفة العمليات المشتركة من غزة قال لـ "LebanonOn" إن القتال بات الآن في مراحله الحساسة، ولفت إلى أن هناك عوامل عدة تتحكم في سيره الميداني ومدته الزمنية تبدأ بقضية الأسرى، مروراً بالأزمة الإنسانية ومصير الأجانب العالقين في القطاع وصولاً إلى المخاوف الإسرائيلية والغربية من اتساع رقعة الحرب.
ويكشف المصدر أن العامل الرئيسي الذي يدفع الاحتلال إلى التردد في عملية برية موسعة هي قوة المقاومة، فكل محاولات العدو لجس النبض باءت بالفشل بالإضافة إلى الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي في تقارير للجيش حول قوة المقاومة وعدم امتلاك الاحتلال لأية معلومات حول متاهة الأنفاق في غزة.
الحقيقة تقول إن إسرائيل متعبة جداً وهذا ما تكشفه تصريحات قادتها، في حين أن حماس لا تزال عند هدفها الذي وضعته منذ اليوم الأول فالعملية تهدف إلى تبييض السجون عبر إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين من المعتقلات الإسرائيلية.
يقول شاوول موفاز رئيس هيئة الأركان العسكرية الإسرائيلية سابقاً إن حماس احتجزت حوال 230 رهينة خلال هجومها في السابع من الشهر الجاري من الإسرائيليين ومزدوجي الجنسية وجنسيات أجنبية، ويلفت إلى أن كل المؤشرات تدل على أن حماس ربما لم تكن تنوي احتجاز كل هذا العدد، لكن لما كانت إسرائيل غير مستعدة لهجوم بهذا الشكل، تم تجميع الرهائن ونقلهم بسرعة كبيرة من دون التحقق من هوياتهم، ويرى موفاز أن الإفراج عن هؤلاء يشكل ضغطاً هائلاً على إسرائيل للإحجام عن شن هجوم بري يمكن أن يؤدي إلى موت الكثير من الرهائن بسهولة، وبعترف موفاز بأن حماس نجحت في استخدام الرهائن كورقة مساومة لزيادة إمدادات الغذاء والماء والدواء وتقليل احتمالية الهجوم البري الواسع النطاق رغم التهديد اليومي به، ويشدد على أن حل الأمر يكون بصفقة تبادل لإنهاء الصراع كما حدث خلال صفقة جلعاد شاليط الذي احتجزته حماس وصفقة الحنان تنباوم الذي احتجزه حزب الله سابقاً وكان موفاز من أبرز المؤيدين لصفقتي التبادل.
في حين يُوكد شالوم بن حنان المسؤول الكبير في الشاباك سابقاً أنه ومع مرور كل يوم، تزداد الضغوط السياسية على إسرائيل من أجل تعديل تكتيكاتها بهدف تقليص مخاطر اندلاع حرب أوسع في الشرق الأوسط ستكون كارثة على المنطقة وخارجها، ودلالات هذه الضغوط تتجسَّد بتكثيف كل من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة، من خلال مقاربات مختلفة، دعواتهم إلى تأخير الهجوم البري الإسرائيلي في غزة، وحثّ الرئيس الأميركي جو بايدن ووزيراه في الخارجية والدفاع على توخي الحذر محاججين بأنهم لئن كانوا يتفهمون الضغط الداخلي في إسرائيل للقضاء على حماس، فإنه ينبغي على قادة تل أبيب أن يتعلموا من أخطاء واشنطن في المبالغة في رد الفعل باستخدام القوة المميتة في أعقاب هجمات 11 أيلول عام 2001، ويشير بن حنان إلى أنه وعلى الرغم من قول الجيش بإن قواته مستعدة لدخول غزة، فإن الجنرالات أصحاب الخبرة ممن باتوا في الاحتياط نصحوا القيادة السياسية بعدم خوض هذه المغامرة فحرب المدن صعبة ومكلفة للغاية، لا سيما بالنسبة لقوة غير معتادة على المناطق الحضرية خلافاً لحماس التي كانت تعد العدة لمثل هذه الحرب منذ سنوات عديدة.
ويتفق مع كل من موفاز وبن حنان، الجنرال الاحتياطي داني يتوم رئيس الموساد سابقاً فهو رغم تطرفه وتصعيد لهجته عاد ليطرح تساؤلات حول نتائج الغزو البري بالتزامن مع انعدام وجود خطة مقنعة للمرحلة التالية، ورغم استبعاده القضاء على حماس فإنه توجه برسالة إلى الحكومة قائلاً " في حال تم تحييد عناصر حماس أو القبض عليهم جميعاً، فمن سيتولى إدارة غزة المدمرة؟ ومن سيعيد الإعمار وصيانة البنية التحتية الأساسية وإدارة المنشآت الحيوية؟" ويختم يتوم "كل ذلك سيمثل تحديات باهظة الثمن".
كل هذا الكلام الذي برز في إعلام الاحتلال سبق ما كشفته صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين أميركيين بأن عودة إسرائيل عن فكرة غزو بري شامل جاء بعد نصائح من البنتاغون، وهنا يطرح السؤال ماذا أبلغ البنتاغون إسرائيل؟!.
وفي خضم هذا التخبط الإسرائيلي برز كلام رئيس حركة حماس في غزة يحي السنوار الذي طلب صراحة من الهيئات والمؤسسات العامة بمجال الأسرى لاعتبار نفسها في حالة انعقاد دائم وإعداد قوائم بأسماء الأسرى والأسيرات لدى الاحتلال دون استثناء تحضيراً لمستجدات المرحلة القادمة.
كلام يبدو أنه نابع من حقيقة تفيد بأن طبق إنهاء الحرب على غزة بات على موائد الكبار من الراعين لاتفاقات وقف إطلاق النار ووسطاء صفقات التبادل بين الجانبيين.
في حال لم يحصل الغزو البري وتنازلت إسرائيل لصالح إتمام صفقة التبادل التاريخية كما تشير التطورات المتسارعة فإن حماس ستعلن انتصارها لأنها حققت هدفها بتبييض السجون، لكن ماذا عن إسرائيل؟
على الرغم من أن لدى إسرائيل حالياً حكومة ائتلافية، غير أنه بمجرد توقف القتال سيكون من الصعب تصور بقاء بنيامين نتنياهو في منصبه كرئيس للوزراء، وذلك بالنظر إلى أن أكثر من 70 بالمئة من الإسرائيليين يعتقدون أنه مسؤول عن أكثر الأخطاء كارثية على الداخل الإسرائيلي منذ إنشاء الكيان في العام 1948.
أيضاً فإن الإدارة الأميركية وبحسب الصحف الصادرة من واشنطن باتت ترى في نتنياهو عبئاً ثقيلاً عليها، وهذا ما يدل على أن أميركا ترغب في حكومة إسرائيلية جديدة أكثر جدية بالانخراط مجدداً في عملية السلام التي تعاني حالة احتضار منذ سنوات عديدة، خاصة وأن واشنطن كانت ترعى ما وصفته بالتطبيع التاريخي بين تل أبيب والرياض والذي توقف من جانب السعودية مع انطلاق العدوان على غزة، ووضع أحلام الرئيس جو بايدن بتحقيق ذلك في مهب الرياح.
في المحصلة ومن خلال المواقف الغربية والعربية فإن هناك حاجة ماسة للتوصل لاتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين في نهاية المطاف وبالسرعة اللازمة، فالصدمة التي عاشتها إسرائيل خلال طوفان الأقصى والمفاجأة التي شكلتها العملية بالنسبة للدول الغربية والعربية تدفع باتجاه التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع بالتزامن مع تصاعد الحديث عن حل الدولتين، وتعنت إسرائيل ورفضها للتسوية ستكون نتيجته حروباً لا نهايةَ لها، قد لا تبقى محصورة على الأراضي الفلسطينية المحتلة بل ستتمدد إلى الشرق الأوسط الذي بات كقنبلة موقوتة ينتظر فتيلها شرارة الاشتعال.