عزت ابو علي - LebanonOn
منذ أن أُنشئت إسرائيل عبر جرائم العصابات الصهيونية التي حازت دعماً غربياً لا محدوداً واعترافاً دولياً بها في العام 1948، روَّج إعلامها لجيش شكَّل رُعباً لكل من فكر بمواجهته في الشرق الأوسط.
ففي العام 1948 وعلى إثر الجرائم التي ارتكبتها الميليشيات الصهيونية "هاجاناه، إرجون، بيتار، شتيرن وبلماح" التي رعتها بريطانيا، شكَّل العرب جيشاً عُرف بـ "جيش الانقاذ" وانطلقت القوات العربية نحو فلسطين لطرد الصهاينة وعلى الرغم من كفاح ذلك الجيش وقتذاك إلا أنه مُنِيَ بهزيمة قاسية وكان من نتائج الحرب المؤلمة تهجير الفلسطينيين وسيطرة العدو الإسرائيلي على الأراضي التي تُعرف اليوم بـ 48، واعترفت الأمم المتحدة بالكيان العبري كدولة قائمة بحد ذاتها.
وبعد 19 عاماً وتحديداً في الـ 5 من حزيران من العام 1967 شنَّ جيش الاحتلال هجوماً واسع النطاق على دول الطوق "سوريا، لبنان، الأرن ومصر"، وخلال 6 أيام فقط تمكَّن العدو من السيطرة على جبهة الجولان في سوريا ومزارع شبعا في لبنان والضفة الغربية من الأردن وسيناء في مصر، وفاق ما تم احتلاله في هذه الحرب التي أطلق العرب عليها اسم "النكسة" المساحة التي سيطرت عليها إسرائيل في العام 1948 بأضعاف، وأطلقت إسرائيل على جيشها آنذاك ما سُميَ بالأدبيات العبرية "الجيش الذي لا يقهر".
وبعد 6 أعوام شنَّ الجيشان المصري والسوري هجوماً في محاولة لاستعادة الأرض المحتلة، وفي الأيام الأولى للحرب سجَّل العرب انتصارات مهمة، لكن وبعد أيام قليلة، استلم الإسرائيلي زمام المبادرة بعد تلقيه دعماً أميركياً مفتوحاً، ووصلت قوات رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون الذي كان جنرالاً عسكرياً في ذلك الوقت على بعد حوالي 100 كيلومتر من العاصمة المصرية القاهرة بعد نفاذه من ثغرة الدفرسوار وتطويقه للجيش المصري، وعلى الجبهة السورية وصلت قوات الاحتلال إلى مشارف العاصمة دمشق ولولا تدخل الجيش العراقي في ذلك الوقت لسقطت العاصمة العربية التالية بيد العدو الإسرائيلي بعد القدس.
وبعد 9 أعوام وفي حزيران من العام 1982 سقطت العاصمة اللبنانية بيروت بيد الاحتلال قبل أن ينسحب منها بعد فترة وجيزة.
ظنَّت إسرائيل التي فرضت معادلاتها بالقوة أن الوضع سيبقى على ما هو عليه، وبات الغرور عنوان جيشها، حتى حصل ما كان خارجاً عن الحسابات، بروز حركات المقاومة.
تدرَّجت عمليات المقاومة السرية ضد الاحتلال من العمليات البسيطة مروراً بالعمليات الدقيقة وصولاً إلى المواجهة الشاملة مع فصائل المقاومة، لتفتح إسرائيل دفتر الحساب وتطلق العنان لأقلامها لِتملأ خانة الخسائر بعد أن اعتادت على تسجيل الأرباح.
أولى هذه الحركات الفاعلة أتت من لبنان، وبعد كفاح طويل، خرجت إسرائيل من جنوب لبنان في العام 2000 لتكون المرة الأولى التي ينسحب فيها الاحتلال من أراضٍ عربية تحت ضغط العمل العسكري الذي سجَّل أول هزيمة لها.
بعد ذلك بـ 6 أعوام شنَّت إسرائيل عدواناً على لبنان لكن المقاومة نجحت بالتصدي لذلك وألحقت بها أضراراً فادحة وأظهرت للعالم تضعضع جيشها، فباتت الدبابات مقبرة للجنود، فيما لم تفارق أصوات صافرات الانذار مستوطنات العدو التي تلقت الآلاف من الصواريخ من كل حدب وصوب، لتتلقى إسرائيل الهزيمة التالية والتي عاشت على وقع ارتداداتها لغاية الآن.
انسحب ذلك على غزة، التي واجهت اعتداءات عدة، لكن هذه المرة تغيَّرت قواعد اللعبة في الإقليم المتوتر بشكل نهائي، فالفصائل في غزة نجحت باختراق غلافها رغم التحصينات الأمنية الهائلة للعدو الإسرائيلي، وَدُمِّرَت فرقة غزة التي أنشأتها إسرائيل بالكامل "حوالي 15 ألف ضابط وجندي" وسقطت الثكنات المعادية وكذلك المستوطنات بالإضافة إلى أسر المئات من المحتلين ونقلهم إلى القطاع.
جُنَّ جنون إسرائيل التي أطلقت العنان لطائراتها وفوهات مدافعها باستهداف المدنيين فقتلت وجرحت الآلاف وقصفت المشافي والأماكن الدينية ودمَّرت أحياء بالكامل على رؤوس قاطنيها.
وبالتوازي مع ذلك أصدرت حكومة الاحتلال قراراً باجتياح غزة برياً، وهنا بيت القصيد.
تأجيل تلو الآخر رغم الدعم الغربي لقرار تل أبيب، وتخبط في القرارات السياسية والاستخبارية وحتى العسكرية، بشأن العملية البرية.
على المستوى السياسي لا تزال حكومة بنيامين نتنياهو تعيش في حالة إرباك ولم تستفق من الصدمة التي وُصفت بالأقسى منذ العام 1948، وزراء هددوا بالاستقالة لتحميل نتنياهو عواقب الهزيمة بشكل منفرد، وآخرون وصفوه بالجبان الذي يهدد ولا يجرؤ على تنفيذ أي هجوم بري.
على المستوى الاستخباراتي تعترف دوائر القرار في أجهزة الاستخبارات المعادية أنها لا تملك معلومات عن قدرات المقاومة في غزة وبالتالي فهي عاجزة عن مَدِّ الجيش بالتقارير اللازمة التي يحتاجها.
ويسيطر الرعب على ضباط جيش الاحتلال وجنوده على المستوى العسكري، فالناطق باسم الجيش أقرَّ صراحة بأن العملية في حال حصولها ستكون مؤلمة جداً وفاتورتها باهظة الثمن.
هذه العوامل مجتمعة تُثبت ما قاله مصدر مطلع في غرفة العمليات المشتركة لـ "LebanonOn" عن أن قادة العدو أصابهم التردد مما دفعهم إلى إطلاق الحجج الواهية لتأجيل الهجوم، لكن الحقيقة تتجلى بأن الاحتلال ليس بمقدوره تحمل خسائر إضافية وهزيمة جديدة ستكون بحسب تعبير المصدر مختلفة هذه المرة، قالمقاومة أعدت مفاجآت مدوية ستصعق الاحتلال، ويُشير المصدر إلى أن عملية الأمس أكبر دليل على ذلك حين حاول الاحتلال دفع مجموعة قتالية باتجاه غزة ما أسفر عن تدمير دبابة ومقتل وجرح عدد من المهاجمين الذين لم ينجحوا بتخطي السياج مع غزة إلا لأمتار قليلة قبل أن يفروا.
وأكد المصدر أن العدو اعتاد في السابق على مواجهة جيوش يتفوق عليها عدة وعديداً، لكنه اليوم بات مضطراً لمواجهة مجموعات قتالية منظمة وتتحرك بخفة ومتقدمة أمنياً وهذه المواجهة تعطل سلاحي الجو والمدفعية حيث قوة العدو المضطر للدفع بفرق المشاة والمدرعات والتي تعرف المقاومة جيداً كيفية التعامل معها والقضاء عليها.
ولفت المصدر إلى أن الحروب المتناظرة بين الجيوش الكلاسيكية تختلف عن الحروب غير المتناظرة مع المقاومة، فالعدو الإسرائيلي يواجه ما لا يراه أو يعرفه ولا حتى يُدركه، فسرية العمل ونجاح المقاومة بالتخفي جعل منها حالة غامضة بالنسبة للعدو على عكس الجيوش الكلاسيكية التي كانت صيداً سهلاً لطائراته ونيران مدافعه.
ويشير المصدر إلى أن هذا الغموض كفيل بمفرده بدفع العدو للتفكير مرات عدة قبل تنفيذ أي غزو بري وهذا ما يُفَسِّرُ التأجيل المستمر للعملية البرية وبات من الواضح للعيان أن التردد سيد الموقف بالنسبة للاحتلال.
قبل عامين من طوفان الأقصى صدر تقرير استخباراتي إسرائيلي يحذر قادة العدو من تركيزهم على جوانب الطيران والتكنولوجيا فقط وإهمال سلاح المشاة وتحويل قوات الجيش إلى شرطة في الضفة الغربية مما يؤثر سلباً على كفاءة جنود الاحتلال عسكرياً ومعنوياً، ويبدو أن التقرير حالفه النجاح، فعلى الرغم من التعبئة العامة في إسرائيل فإن قادتها يدركون أن هكذا جيش ليس بمقدوره مواجهة مقاومين أُعِدُّوا للقتال على أكمل وجه، ففي هكذا عمليات الغلبة للمقاتل الفردي الكفوء وليست للطائرات والمدافع والتكنولوجيا، وما يظهر جلياً بِأَنَّ الكفَّة تميل لصالح فصائل غزة في هذا المجال.