عزت ابو علي – Lebanon On
منذ اندلاع أحداث غزة في السابع من شهر الجاري، وما رافقها من توترات حدودية بين لبنان والعدو الإسرائيلي على مدار تلك الأيام، تشهد الساحة السياسية الداخلية اللبنانية جموداً على مختلف الصعد.
غابت المساعي لانتخاب رئيس للجمهورية، وكذلك المواضيع الساخنة التي تربعت على رأسها قضية النزوح السوري وانعدمت الاشكالات المتنقلة في أكثر من منطقة بين اللبنانيين والنازحين السوريين، حتى سعر صرف الدولار مقابل العملة المحلية والذي كان الشغل الشاغل للمصرف المركزي والحكومة واللبنانين بات شبه معدوم، وانسحب جمود الملف السياسي على نظرائه من الملفات الاقتصادية، الاجتماعية والتربوية.
ضبابية المشهد في المنطقة أثَّر بشكل سلبي كبير على لبنان وتجمَّدت كل المساعي الخارجية لإحداث خرق في جدار أزماته الداخلية الصلب، بعد استعصاء الحلول الداخلية على الحل.
الدول الرئيسية اللاعبة في الملف اللبناني وجَّهت أنظارها نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فرنسا التي كلَّفت مبعوثاً خاصاً لجمع فرقاء لبنان انتقلت نحو إسرائيل وأعربت عن دعمها لها في قرار غزو غزة برياً، وغابت باريس عن بيروت وباتت تل أبيب أولويتها الاساسية.
الولايات المتحدة الأميركية الراعية الأولى لكيان الاحتلال والتي عملت قبل فترة خلال اجتماعات نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة للبحث في أزمة لبنان، لم يعد يشغلها سوى كيفية دعم إسرائيل وإعطائها الضوء الأخضر لغزو بري لغزة ومدِّها بالسلاح والمال، والبحث عن تأمين مخرج لرعاياها الأسرى لدى فصائل غزة.
عربياً، سعت المملكة العربية السعودية إلى إيجاد حلٍ لأزمة لبنان حيث كانت أبواب سفارتها في بيروت مشرعة لاستقبال الفرقاء بهدف الوصول إلى مخرج للأزمات، لكن أحداث غزة المُفاجئة حوَّلت أنظار المملكة نحو الأراضي المحتلة، وهي التي تستقبل المبعوثين الغربيين لإيجاد مخارج سلمية بعيداً عن انزلاق المنطقة إلى صراع خطير لا تحمد عقباه، فضلاً عن تجميدها لملف تطبيع العلاقات مع إسرائيل الذي كان موضوعاً على نار التسوية.
وقبل اندلاع حرب غزة كانت قطر وهي من أكبر الداعين لإيجاد حلول لأزمة لبنان ترسل الموفد تلو الآخر إلى بيروت، لكن ذلك توقف فالدوحة تُعَدُّ من أهم العواصم المؤثرة على قرارات حماس، وهي الآن منشغلة بشكل كامل بإيجاد مخرج للأزمة وحل ملف الأسرى الذي كُلِّفَت فيه من قِبَلِ عواصم القرار العالمية.
مصر أيضاً لم تغب عن المشهد اللبناني، لكنها اليوم تواجه خطراً داهماً عبر خطة رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو لتهجير سكان غزة إلى سيناء، وهو ما دفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالتلويح بالحرب بين القاهرة وتل أبيب في حال تعنُّت نتنياهو، وبالتالي فإن القاهرة منشغلة تماماً بهذه القضية بالإضافة إلى موضوع المساعدات الإنسانية حيث تتفرَّد مصر بامتلاك معبر رفح البري الحدودي مع قطاع غزة حيث تدور رحى الحرب.
وعن إيران المؤثرة البارزة في الشأن اللبناني حدث ولا حرج، فطهران اليوم تواجه اتهامات غربية بتسعير الصراع في الشرق الأوسط، وهو ما يفسِّر دخول حاملات الطائرات والأساطيل البحرية الأميركية إلى المنطقة، لتوجيه الرسائل لإيران الذي يمتد تأثيرها من العراق مروراً بسوريا ولبنان وفلسطين وصولاً إلى اليمن حيث انطلقت منها صواريخ ومسيرات في سابقة لم تحدث سابقاً في مجريات الصراع في الشرق الأوسط.
الأولوية الآن للصراع الخطير في المنطقة، حيث لا يتقدَّم أي ملف على ذلك، ولن يتغيَّر ذلك في الوقت الحالي بانتظار أن تجليَ الصورة في الشرق الأوسط، ولبنان بانتظار المواجهة الكبرى وهو دخل فيها بحسب المعطيات على الأرض، لكن تطورها مرهون بمواقف اللاعبين الإقليميين المؤثرين في الساحة اللبنانية وموقف واشنطن والدول الكبرى.
ووسط الجمود السياسي قامت الحكومة بوضع خطة طوارىء للتعامل مع أية تطورات خاصة على المستوى الصحي وبالحد الأدنى، فيما قامت بعض الجهات المحلية بصياغة رؤية لاستيعاب النازحين في حال حصول حرب لكن بالإمكانيات المتاحة.
إذاً، الأمور داخلياً تراوح مكانها، والجمود سيد الموقف، والأنظار منصبة على تطورات المنطقة الخطيرة، ولا جديد بانتظار أن تتضح الصورة الضبابية في الشرق الأوسط، إما حرباً إقليمية أو تجديد للهدنة، فأفق الحلول النهائية لا تزال بحسب كل المعطيات بعيدة المنال حتى الآن.