عزت ابو علي - Lebanon On
في السابع من الشهر الجاري تلقت إسرائيل صفعة عسكرية هي الأكبر في تاريخها منذ العام 1984 بحسب ما قاله العديد من مسؤوليها.
لكن ارتدادات هذه الصفعة لم تقتصر على الجوانب العسكرية والأمنية والاستخباراتية والمعنوية فقط، بل تعدته إلى أخطر من ذلك خاصة في الجانب الاقتصادي.
وكالة ستاندر آند بورز غلوبال كشفت في تقرير لها عن أن التطورات الأخيرة للتصعيد في غزة شكَّلت تهديداً حقيقياً للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وأشارت إلى أن تأثير الصراع في غزة، يمكن أن يقتصر في الوقت الحالي على إسرائيل، وقطاع غزة، ومصر، والأردن.
وعن تقرير الوكالة فنَّد الأكاديمي والباحث المصري والمختص بالشؤون الإسرائيلية الدكتور ابراهيم فضلون لـ "Lebanon On"، التداعيات على الاقتصاد الإسرائيلي، حيث أكد أنَّ استدعاء نحو 360 ألف شخص للاحتياط، أي مايعادل 6,2 % من القوى العاملة الذين تتراوح أعمارهم بين 18 – 64 عاماً أصاب الاقتصاد الإسرائيلي في مقتل، وهو ما سيؤدي حتماً إلى تفاقم مشكلة التضخم والتأثيرات السلبية الكبيرة على النشاط الاقتصادي خاصة عملية الإنتاج، وستمتد هذه التداعيات لسنوات قادمة ولو تمَّ احتواء الصراع والحد من التأثير الجغرافي له.
فإسرائيل باتت تعتمد في اقتصادها على نحو لا بأس به بعائدات الغاز الذي تستخرجه من سواحل فلسطين المحتلة، وهذه الحرب ستحدث صدمة في إمدادات الطاقة، وهو ما ظهر جلياً من خلال هبوط قيمة الشيكل أمام الدولار الأميركي، خاصة وأن الاتجاه في إسرائيل بات في اتجاه الملاذات الآمنة كالدولار الأميركي والذهب منذ بدء التصعيد في غزة، وهو في ازدياد يومي في ظل الحديث عن حرب طويلة وعملية برية قد تستغرق أشهراً عدة للانتهاء منها، وهو ما يفسر ارتفاع الذهب بنسبة تزيد قليلاً على 4 %، كما ارتفعت أسعار النفط بنحو 7 %، عالمياً.
وتبرز الحرب على غزة بحسب فضلون مخاطر الركود ليبقى التأثير على الاقتصاد الإسرائيلي على المدى القريب والبعيد موضع تساؤل، خاصة وأن أكثر من ربع مليون جندي احتياطي تركوا وظائفهم استعداداً للحرب، غالبيتهم تحت سن الـ 40 عاماً، وهذه المجموعة الهائلة تشكِّل مجموعة سكانية رئيسية في قطاع التكنولوجيا في البلاد، والذي يمثل حوالي خمس الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل.
ويؤكد فضلون أن إسرائيل ستشهد تباطؤ حاد على المستوى الاقتصادي، فإسرائيل في هذه الأيام تشهد تدفقاً للسياح من أنحاء عدة من العالم، ومع التوترات وإغلاق المطارات ستخسر جميع هذه العائدات التي ستضاف إلى خسائر فادحة في القطاعات الانتاجية نتيجة توجه القوة البشرية العاملة فيها نحو التعبئة العسكرية الواسعة النطاق، الأمر الذي تسبَّب بإغلاق قطاعات رئيسية في الاقتصاد، علاوة على إغلاق المدارس والمؤسسات التعليمية، وتعليق صناعة الضيافة.
ومن الطبيعي أن تؤدي الحرب إلى انخفاض مستويات النمو، بحيث بات جلياً الضعف الحاد في النشاط الاستهلاكي الخاص، بالإضافة إلى توسُّع العجز الحكومي بسبب ارتفاع الإنفاق وانخفاض الدخل، وهو ما سيذهب بالنمو الذي حققته إسرائيل في العام السابق والذي قُدِّر بـ 6,5 % أدراج الرياح.
سَوقُ قوى الإنتاج إلى الحرب سيؤدي حتماً إلى انخفاض السلع المعروضة وبالتالي ارتفاع الأسعار مع زيادة الطلب المفرط نتيجة خوف الإسرائيليين من اتساع رقعة الحرب على أكثر من جبهة والبقاء في الملاجىء لفترة طويلة، مما سيؤدي إلى تضخم كبير سيتعزز مع مع ارتفاع اسعار الطاقة، وبالتالي تكلفة السلع المتزامنة مع تكاليف الحرب باهظة الثمن.
هذا الكلام يتطابق مع اعترافات كبار الاقتصاديين في إسرائيل والذين اشاروا صراحة إلى أن جميع الشركات ووكالات التصنيف الائتمانية أكدت أن المخاطر التي تواجه الاقتصاد في ارتفاع، حيث ستكون الأضرار المترتبة عليه واضحة وجليَّة خاصة وأن الوضع حالياً مختلف تماماً عن السابق، في ظل التصعيد على الجبهة الشمالية والذي أدى إلى ترك الأراضي الزراعية، فالزراعات الإسرائيلية تتركز في الشمال مع لبنان وفي الجنوب مع غزة، وهو ما دفع إسرائيل للاستنجاد بالدول الغربية لمدِّها بالسلع الغذائية بعد أن كانت من أكبر المصدرين لها في الشرق الأوسط.
التأثيرات السلبية الاقتصادية لا تنحصر بإسرائيل فقط، بل، بمصر أيضاً خاصة في ظل الحديث عن خطة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو حول سعيه لتهجير أهل غزة إلى سيناء أي حوالي 2,7 مليون فلسطيني، فما تأثير ذلك على مصر اقتصادياً؟
يقول الاقتصادي المصري الدكتور مراد منير لـ "Lebanon On" إن الحديث عن هذا الموضوع ليس بالأمر الجديد، بل، كان من ضمن بنود صفقة القرن التي تضمنت تهجير سكان غزة إلى منطقة سيناء المصرية، مقابل إسقاط ديون مصر ومكافأة ضخمة من الدولارات تنقذ مصر من أزمتها الاقتصادية الحالية.
ويُشدِّد منير على أن هذا الأمر مرفوض تماماً من القيادة المصرية وعلى المستوى الشعبي، وأكد أن هذا الأمر لم يحصل في السابق ولن يحدث الآن ولا في المستقبل.
ويلفت إلى أن هذا الأمر فيما لو حصل وهو مستبعد تماماً، سيزيد الضغط على الاقتصاد المصري خاصة وأن هذه الأعداد الهائلة ستحتاج إلى خدمات وبنى تحتية واستهلاك مما سيؤدي إلى زيادة إهدار العملات الصعبة والدفع باتجاه مزيدٍ من الاستدانة، خاصة وأن وعود الغرب بإسقاط الديون والمساعدات المالية غير مضمونة.
ورأى منير أن الحلَّ باعتقاده سيكون عبر تسوية مرضية بشكل ما، وقد يكون هناك تدخل سياسي مصري مع سعي دولي قد ينهي الأزمة، وقد تستفيد مصر بشكل ما اقتصادياً خاصة في مجال إعادة إعمار غزة، لكن ذلك يبقى مرهوناً بضمانة عدم تحول الحرب إلى حرب إقليمية على جميع الجبهات.
في المحصِّلة، بات من المؤكد أن الجولة الحالية من الصراع ستأخذ الاقتصاد الإسرائيلي إلى محطة مفصليَّة، وأنَّ دورة الاقتصاد ستتحوَّل من النمو، إلى التباطؤ والركود.