عزت ابو علي - Lebanon On
في الـ 29 من شهر آب من العام 1897 عقدت الحركة الصهيونية بزعامة مؤسسها تيودور هيرتزل مؤتمرها في بازل في سويسرا للبحث عن مكان لإقامة وطن قومي للشعب اليهودي، وطرح المجتمعون فكرة إقامة الدولة في أوغندا، الأرجنتين، أستراليا، فلسطين ولكن هيرتزل كان يحلم بشبه جزيرة سيناء المصرية وطُرِح الاسم بجدية تامَّة.
لكن لماذا سيناء؟ تعود مطامع اليهود بسيناء لأسباب دينية، فالبنسبة إليهم فإنها الأرض المقدسة لأن الله كلم النبي موسى فيها، ومن خلالها خرج اليهود من مصر وهي كذلك الأرض التي عاش اليهود فيها 40 سنة بالتيه، حسب التوراة، ومن الأسباب الجغرافية لطمع اليهود في سيناء، فإنها جزء من مصر التي فيها نهر النيل وحياة زراعية وصناعية، وقريبة أيضاً من فلسطين، ويُطلِق اليهود على سيناء اسم فلسطين المصرية، وذلك في كتاب الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي الحديث للدكتور إسماعيل أحمد ياغي، وهذا الاسم لتكون سيناء معبراً لليهود في المستقبل إلى فلسطين وتوصيل المياه من مصر إلى سيناء.
في تشرين الأول من العام 1902، سافر هيرتزل إلى بريطانيا للقاء وزير المستعمرات البريطاني جوزيف تشمبرلين، لطلب إمكانية توطين اليهود في إحدى المستعمرات البريطانية، وكان التفضيل لسيناء لارتباطها الديني باليهود.
استطاع هيرتزل اقناع الحكومة البريطانية بأخذ جزء من سيناء لليهود فمارست بريطانيا ضغوطات كبيرة على الحكومة المصرية لتوطين اليهود في سيناء، لكن الحكومة المصرية رفضت ومع الوقت رفضت بريطانيا المشروع، واعترض اللورد كرومر مندوب بريطانيا في ذلك الوقت ليس حباً في مصر لكن لأهمية سيناء بالنسبة لبريطانيا والتفسير الحقيقي للتحول المفاجئ في موقف البريطانيين تجاه توطين اليهود في سيناء لم كان يكمن في تخوفهم من قيام ثورة عارمة ضدهم في مصر، فقد ثبت أن المشروع بحاجة إلى مقادير هائلة من مياه النيل التي هي بمثابة شريان الحياة الرئيسي للفلاح المصري الذي لن يقبل بأي حال من الأحوال التخلي عن قطرة منها وتحويل المياه يحتاج إلى إغلاق قناة السويس لفترة من الوقت وهو بالأمر المستحيل بالنسبة لبريطانيا.
مرت 5 سنوات على فشل المشروع الأول، حتى شهدت سيناء محاولة أخرى، على يد وكيل القنصل البريطاني في غزة كونه يهودياً ويدعى ألكسندر كنيزيفيتش اتجه عام 1908 لشراء الأراضي في سيناء لتوطين اليهود فيها، وحاول الحصول على دعم السلطات البريطانية، لكن الحكومة المصرية تنبهت لهذا الأمر وأبلغت بريطانيا اعتراضها، وبناء على ذلك طلب المندوب السامي البريطاني في ذلك الوقت وقف المشروع حتى لا يتسبب لبلاده بمشاكل، لم يحظَ مشروع الاستيطان في سيناء بتأييد يهودي كبير، نظراً لأن المنظمة الصهيونية قررت توطين اليهود في فلسطين.
وفي عام 1948 بعد هزيمة العرب وقيام دولة لليهود أوصى مؤسس إسرائيل ديفيد بن بضرورة الاستيلاء على سيناء، وهو ما تحقَّق خلال نكسة حزيران في العام 1967 لكن الأمر لم يدم طويلاً حتى حررها الجيش المصري خلال حرب العام 1973، وفي الـ 25 من نيسان من العام 1982 خرج آخر جندي إسرائيلي من سيناء وانتهت أحلام إسرائيل مع استعادة سيناء بشكل كامل من قبل الدولة المصرية.
على مرِّ تاريخ الاحتلال لم تستطع إسرائيل إخضاع غزة حتى اضطرت للانسحاب منها في العام 2005، وخرج آخر جندي إسرائيلي من القطاع التي تبلغ مساحته 365 كيلومتراً مربعاً، وتمنى قادة الاحتلال أن يبتلع البحر غزة، فهي شكَّلت الأرق الصاروخي الدائم لإسرائيل.
ومع اندلاع معركة طوفان الأقصى بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتطور الهائل في سير المعارك لصالح الفلسطينيين على الأرض، سعَّرت إسرائيل من قصفها للقطاع بشكل جنوني، ومع خطط رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لرد اعتبار جيشه عبر تهديده بالقضاء على الفصائل في غزة، طالب مصر بفتح حدودها للغزاويين من المدنيين للذهاب نحو سيناء.
يقول الأكاديمي والباحث المصري والمختص بالشؤون الإسرائيلية الدكتور ابراهيم جلال فضلون لـ "Lebanon On" إنه من المستغرب أنه بعد 126 عاماً من مؤتمر الحركة الصهيونية أُعيد طرح اسم سيناء ولكن بطريقة عكسية هم يريدون طرد الفلسطينيين إلى سيناء لتهويد منطقة غزة بالكامل، بل وتهويد سيناء.
ويؤكد فضلون لـ "Lebanon On" أن الطرح لا يُعَدُّ الأول من نوعه بل حاول الاحتلال مراراً وتكراراً جعل سيناء وطناً بديلاً للفلسطينيين، وجُمِّدَ الطرح مع توقيع اتفاقية أوسلو مع سلطة رام الله عام 1993، ثم اتفاقية وادي عربة مع الأردنيين عام 1994، إلا أن التعنت الإسرائيلي وعدم التزام تل أبيب بتعهداتها بحل الدولتين، يؤكد المؤكد بأن إسرائيل لا تؤمن أساساً بأي حل حقيقي للقضية بل إن جوهر ساسة الاحتلال يتمثل بأن يعيش الفلسطينيون في حصار كبير وكأنهم "حيوانات" كما صرح بذلك كبار المسؤولين في الكيان، وانسحاب إسرائيل من القطاع لم يكن بهدف منح الحرية بل كان لمزيدٍ من قهر سكانه، خاصة مع حصاره المستمر منذ حوالي العقدين من الزمن، واعتماد الاحتلال على الأكاذيب الإعلامية تمهيداً لفكرة التوطين، الذي وف ضدها الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات وتنبَّه لها، وقد ظهرت في حوار أجراه صحفي أميركي مع السادات الذي قال له ساخراً "هل تقبلون أن تعطى الصحراء الأميركية لأي طرف يريدها؟ نقول لكم أعطوهم كارولينا الشمالية أو كارولينا الجنوبية بدلاً من سيناء.
ويشدِّد فضلون على أن التنظيمات المتطرفة التي قضى عليها الجيش المصري في سيناء، كانت تهدف إلى أحلال خطط إسرائيل في شبه الجزيرة، ويلفت في حديثه لـ "Lebanon On" إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لن يسمح بتهجير شعب غزة إلى سيناء، وما رفضه خروج الرعايا الأجانب من غزة عن طريق معبر رفح إلا بشرط إدخال المساعدات إلى غزة، إلا الدليل الواضح على رفض مصر لهذه الخطة الإسرائيلية.
خطةٌ يقول عنها فضلون إنها تهدف لأمور عدة وهي تغيير الديموغرافيا الفلسطينية التي باتت تشكل هاجساً لإسرائيل، وتحقيق يهودية الدولة عبر إفراغها من الفلسطينيين وتحقيق حلم رئيس وزراء الاحتلال اسحق رابين الذي قضى على يد الصهيوني إيجاد عمير عام 1995 والذي كان يُنقل عنه أنه يحلم أن يستقظ ذات يوم ليجد غزة وقد ابتلعها البحر الأبيض المتوسط، ويختم فضلون حديثه بالتطمين بأن المصريين سيبقون بالمرصاد لهذا المخطط الذي سيشكل مقدمة لتحقيق أحلام الصهاينة التاريخية من النيل إلى الفرات، وهذا مستحيل بالنسبة للمصريين وكل الدول العربية، ومن الصعب تحقيقه نظراً للمتغييرات العديدة على الساحتين العربية والدولية.