عزت ابو علي - LebanonOn
شكَّل لبنان على مرِّ تاريخه الحديث ملتقى تعليمياً لكل أبناء الوطن العربي، حيث تعجُّ جامعات لبنان بالآلاف من الطلاب العرب الذين يتابعون دراستهم الجامعية في التخصصات كافة وفي جميع المراحل التعليمية.
ويعود أبناء هذه الأوطان إلى بلادهم بعد إتمام مقرراتهم التعليمية والحصول على الشهادات، حيث يحصل السواد الأعظم منهم على وظائف لائقة نتيجة تحصيله العلمي.
هذا الصيت الذائع لجامعات لبنان دفع بآلاف الطلاب من جمهورية العراق للالتحاق بها لمتابعة تحصيلهم العلمي.
فقبل أعوام قليلة التحق حوالي الـ 400 طالب عراقي بجامعة AUCE لمتابعة دراسة الماجستير في الإدارة وعلوم الحاسب الآلي.
كانت أزمة كورونا تعصف بكوكب الأرض، وسَمَحت الدول ومن بينها العراق لطلابها بالدراسة عن بعد "Online"، وبعد انقشاع تلك الغمامة السوداء، فرضت وزارة التربية والتعليم في بغداد على الطلاب متابعة تحصيلهم الدراسي عن طريق التعليم المدمج أي "عن بعد وحضوري"، وألزمت الطلاب بالتواجد في لبنان لفترة لا تقل عن الـ 4 أشهر وحتى الـ 6 أشهر بحسب نوع الاختصاص، وكان هذا الشرط أساسياً للاعتراف بشهاداتهم المُحصَّلة من لبنان ومعادلتها من قِبَلِ الوزارة المعنية في العراق.
حقَّق الطلاب هذا الشرط، وأنهوا تعليمهم عن طريق الحضور لفترات أطول حتى مما طلبته الوزارة منهم، وأتمُّوا مناقشة رسائل الماجستير ونجحوا بها، بالإضافة إلى تسديد جميع المستحقات المالية عليهم.
لكن كل ذلك لم يُسعفهم للحصول على شهاداتهم فباستثناء 54 طالباً بقيَ 346 منهم من دون شهادات رغم مطالبتهم إدارة الجامعة بالحصول على هذا الحق الطبيعي لهم، بعد حوالي الـ 5 أشهر على إنهائهم التحصيل الدراسي.
يروي الناطق باسم الطلاب العراقيين في جامعة AUCE علي عبد السعيد لـ "LebanonOn" ما حصل معهم، فيقول إن غالبية الطلاب هم من الموظفين في مختلف الدوائر الحكومية العراقية، واستحصلوا على أذونات من أعمالهم خَوَّلتهم متابعة التحصيل العلمي في لبنان، بهدف تطوير أعمالهم والترقية في مناصبهم الوظيفية.
ويؤكد عبد السعيد أنَّ جميع الطلاب التزموا بالشروط العراقية وبالأنظمة الداخلية للجامعة لكنهم لم يتمكنوا بعد من الاستحصال على شهاداتهم رغم مناشدتهم لإدارة الجامعة مرات عِدَّة.
وعن الأسباب يكشف عبد السعيد أن إدارة الجامعة أبلغتهم بعد تواصلهم معها أن الأمر عائد لمشاكل داخية في الجامعة، فمالكة الجامعة الدكتورة ريما قلعاوي ابتاعت حصص المساهمين وباتت المالكة الرئيسية لها، وقامت بتغيير الإدارة السابقة بشكلٍ كُلِّي، وطالت التغييرات الدكتور هاني حيدورة وهو المفوض بالتوقيع على الشهادات من قِبَلِ وزارة التربية اللبنانية، بمعنى أنَّ أية شهادة لا تحمل توقيعه فهي غير قانونية بالنسبة إلى وزارة التربية والتعليم في لبنان، وكذلك ضمن الجامعة نفسها.
وبحسب كلام عبد السعيد فإن هناك مشكلة كبيرة بين حيدورة وقلعاوي، عبَّرت الأخيرة عنها له بشكل صريح وعلني خلال زيارته لها في جامعة "كلكامش" في بغداد الأسبوع الماضي، فقلعاوي تملك هذه الجامعة التي تتخذ من العاصمة العراقية مقراً لها، ويُؤكد عبد السعيد في حديثه لـ "LebanonOn" أن قلعاوي قالت له إنها تُفَضِّلُ إغلاق جامعة AUCE على أن تسمح لحيدورة بالدخول إليها أو التوقيع على شهاداتهم، واستمهلتهم لإيجاد حلٍ لقضيتهم، علماً أن مطالبها للطلاب العراقيين بالانتظار تكرَرت مرات عدة، ضمن سلسلة الوعود الذي وصفها عبد السعيد بغير الصادقة، علماً أنه كان قد أجرى اتصالاً بحيدورة الذي أكد له أنَّ لا مشكلة لديه بالتوقيع على شهاداتهم، في حال وافقت قلعاوي على ذلك.
ويلفت عبد السعيد إلى أن الطلاب يواجهون مشكلة إضافية لا تقل خطورة عن عدم نيلهم للشهادات، فالدوائر الحكومية التي يعملون فيها تطالبهم بالشهادات لتبرير حصولهم على أذونات، وفي حال عدم تحقيق ذلك، فهم سيضطرون إلى إعادة جميع المستحقات "رواتب وحوافز وبدلات" المالية التي قبضوها خلال فترة تحصيلهم العلمي والتي لا تقل للطالب الواحد عن عامين.
يأمل الطلاب الـ 346 الحصول على شهادتهم وإغلاق ملفهم المحق وختمه بالنهاية السعيدة، فما الذنب الذي اقترفوه ليكونوا ضحية خلافٍ بين أعضاء الإدارة في الجامعة؟ فهم يعانون الحسرة بين مطرقة الخلافات الداخلية وسندان مزاجية الإدارة الجديدة.
في بلدٍ يعاني أزمات لا حصر لها، يُطفىء الفساد شعلة الحلول، هل تشجع هذه التجربة طلاب الخارج للالتحاق بركب جامعات لبنان؟ وتأتي هذه القضية الجديدة لِتُضَاف إلى فضيحة تزوير الشهادات من قبل بعض الجامعات قبل فترة وجيزة، فهل هذا هو المأمول من مؤسسات تعليمية بدل أن ترتقي بسمعة لبنان الخارجية على الصعيد التعليمي تعمل على عكس ذلك؟ سؤال نضعه برسم معالي وزير التربية القاضي عباس الحلبي، المُطالب من قِبَلِ أصحاب المظلومية بإنصافهم وإحقاق العدالة لقضيتهم المُحِقَّة.