عزت ابو علي – LebanonOn
لم يعرف لبنان على مدى تاريخه منذ إعلانه كدولة في أيلول من العام 1920 بشكل عام، ومن تاريخ 23 أيار من العام 1926 بشكل خاص حين أقر مجلس الممثلين الدستور وأعلن قيام الجمهورية اللبنانية برئاسة شارل دباس، إلَّا التدخلات الخارجية عند كل استحقاق انتخابي.
تدخلات تُتَرجِمُ حجم التأثير الخارجي المتعدد الأقطاب على القوى السياسية في لبنان، من الانتداب الفرنسي (1919-1946)، مروراً بفترة بروز القومية العربية مع نجاح الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بتولي السلطة وأدى ذلك إلى حرب (1958) في لبنان، ثم بعد ذلك فترة وجود منظمة التحرير الفلسطينية، تلتها حقبة الوجود السوري (1976-2005) حين كانت دمشق تعمل مع الرياض تحت مظلة واشنطن لإنتاج السياسة اللبنانية، وبعد سقوط هذه المعادلة بات التخبط سيد الموقف، مع بروز نجم إيران بعد سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في العام 2003 وحجم تأثيرها على لبنان وصراعها مع القوى الإقليمية خاصة السعودية، والغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
اليوم يبقى لبنان في دائرة المراوحة، لم يتغير أي شيء على الرغم مما وصلت إليه البلاد، فالفراغ في سدة الرئاسة مستمر منذ 31 تشرين الأول من العام الماضي ولم ينجح مجلس النواب الذي عقد جلسات عدة من انتخاب رئيس للبلاد.
عاد الوضع إلى ما هو عليه، وانتظر اللبنانيون الخارج ليُنتج لهم رئيساً عجزوا بسبب خلافاتهم عن الإتيان به.
بدأت فرنسا التي تعتبر لبنان حديقتها الخلفية في الشرق الأوسط بإطلاق مبادرة عبر مبعوثها جان إيف لودريان لإيصال رئيس هذا ما يظهر، ولكن الحقيقة هي لحفظ آخر موطىء قدم لها على الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.
لم تنجح فرنسا بالوصول إلى نتيجة وهنا برزت قطر الدولة الخليجية التي لعبت الدور الأبرز في إعادة إعمار لبنان بعد عدوان تموز 2006 (شكراً قطر) وراعية اتفاق الدوحة الذي أنهى نزاعاً مسلحاً في العام 2008 وأعاد إلى الأذهان مشاهد الحرب الأليمة، فهل خطفت قطر الأضواء من فرنسا في الساحة اللبنانية وهل من قوة عظمى تقف خلف ذلك؟
مصدر قيادي في 8 آذار قال لـ "LebanonOn" إن دخول قطر بهذه القوة إلى الساحة اللبنانية انطلق مع إفشال المبادرة الفرنسية ضمن تتابع مسلسل الصراع الأميركي - الفرنسي عالمياً، وتُرجِمَ ذلك في أكثر من مناسبة خاصة بعد انفجار المرفأ، عندما حضر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى بيروت من أجل الإعلان عن تسوية تقضي بتولي مصطفى أديب تشكيل حكومة ما بعد 4 آب، كل هذا أُفشل بقرار أميركي، فتسمية رئيس دولة عظمى لرئيس حكومة لم تُبصر النور، يعني أن هناك قوة أكبر عطلت ذلك وهذا المشهد تكرر مع جان إيف لودريان حالياً.
ورأى المصدر أن دخول قطر يأتي لاستبدال السعودية اللاعب الكبير في لبنان، بسبب الصراع السعودي - الأميركي في المنطقة على الرغم من الإغراءات التي تحاول واشنطن تقديمها للرياض في سبيل إبعادها عن خصومها (روسيا والصين) من جهة وإكمال مسلسل التطبيع مع "إسرائيل" من جهة أُخرى.
وأكد المصدر أن كل ما حصل من نسج لاتفاقات خارج المظلة الأميركية لم يُكتب له النجاح، ومنها إفشال المبادرة الفرنسية.
وفيما يخص الملف الرئاسي شدَّد المصدر لـ "LebanonOn" على أن الموفد القطري مهمته الأساسية تمرير الوقت لأنه يلعب بين الطرفين المتنازعين في الإقليم وهما السعودية وأميركا، وقال إن ذلك يتم عبر طرح الأسماء، وأكد أن المدير العام للأمن العام اللواء الياس البيسري وهو طرح غير جدي، فيما قائد الجيش العماد جوزيف عون هو طرح جدي لكنه يصطدم برفض حوالي نصف المجلس النيابي للاسم حتى الآن، وعن زياد بارود ونعمة أفرام لفت المصدر إلى أن الموفد القطري تداول بالاسمين لكن الآمال بوصول أحدهما لسدة الرئاسة ضئيلة.
المبادرة القطرية بالشكل هي مبادرة متقدمة أكثر بأشواط من المبادرة الفرنسية بحسب المصدر لأن جان إيف لودريان بمجرد طرحه لفكرة الحوار أوجد مشكلة بين الدول الـ 5 الراعية للبنان.
وكشف المصدر لـ "LebanonOn" أن المبادرة القطرية الحقيقية ستنطلق بعد مغادرة الموفد القطري لبنان، وزيارة وزير الخارجية القطري إلى بيروت، وهنا سيدخل لبنان في المرحلة الجدية لانتخاب رئيس للجمهورية.
على المقلب الآخر يقول الخبير في الشأن الإيراني الدكتور هادي دلول لـ "LebanonOn" إن دخول قطر إلى الساحة اللبنانية يحمل بين طياته أمرين وهما:
الأول: العلاقة القطرية – الإيرانية الجيدة وبالتالي العلاقة القطرية مع حزب الله الذي يُعَدُّ أقوى الأطراف في لبنان ومؤثر أساسي في العملية السياسية وإمكانية تواصل قطر بشكل أسهل من البقية مع الحزب.
الثاني: المصالحة الإيرانية – السعودية وبالتالي شمول هذه المصالحة لبنان وعودة المملكة للعب دورها الطبيعي، وهنا تدخل قطر لتحجز لها مساحة في لبنان خوفاً من اندثارها مع عودة الدور السعودي.
وعن كيفية حدوث ذلك يؤكد دلول أن على قطر مخاطبة مطالب الشعب اللبناني بخفض سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة، وإعطاء زخم كبير لدعمٍ ينتشل لبنان من أزماته، وبالتالي إراحة الأحزاب السياسية من مشكلة تتخبط فيها أمام مؤيديها، ولكن هل رصدت قطر ميزانية لكسب قلوب الناس وعودة عبارة "شكراً قطر"؟.
في المحصلة، ومن وحي التجارب السابقة، لا تمانع قطر القيام بهذا الأمر، ولكن هل سيكون ذلك بدفعة غربية تجعل من الدوحة جسراً ووجهاً عربياً لعملية دخول جهة غربية إلى بيروت من خلالها؟ من المؤكد أنها وبحسب المراقبين ستكون واشنطن، لاعتباراتٍ استراتيجية، أمنية، سياسية، اقتصادية والأهم نفطية.