عزت ابو علي - LebanonOn
في العام 1948 أنشأت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، على بعد 3 كلم إلى الجنوب الشرقي من مدينة صيدا جنوب لبنان، بهدف إيواء نحو 15 ألف لاجئ فلسطيني تم تهجيرهم من قرى الجليل في شمال فلسطين أيام النكبة إثر قيام "إسرائيل"، وبمساحة لا تتعدى الكيلومتر المربع الواحد.
سكن اللاجئون في الخيام حتى عام 1952 وبعد أن اھترأت، قاموا ببناء مساكن اسمنتية بمساعدة وكالة الغوث الدولیة، وسُمِّيَ بـ"عين الحلوة" نسبة إلى المياه العذبة التي كانت موجودة حين إنشائه، ويُعرَفُ أيضاً بمسمى عاصمة الشتات الفلسطيني.
نزح سكان مخیم عین الحلوة من شمال فلسطین من 36 قریة متاخمة للحدود اللبنانیة، حيث قام سكان المُخيم بتسمية أحيائهم في داخله على اسم قراهم التي هُجروا منها وهي عمقا، صفورية، شعب، طيطبا، لوبيا، المنشية، السميرية، النهر، الصفصاف، حطين، الرأس الأحمر، الطيرة، ترشيحا، الزيب، عكبرة، غوير أبو شوشة، نمرين، سعسع والسموعي.
استمر المخيم باستقبال لاجئين فلسطينيين تم تشريدهم من مخيمات أخرى وبالذات تلك المجاورة لطرابلس خلال الحرب الاهلية اللبنانية، إضافة إلى لاجئي عام 1967 بعد النكسة، ليصبح المخيم الأكبر في لبنان من حيث عدد السكان والمساحة.
مساحةٌ تضيق بحوالي 180 ألف فلسطيني ولبناني وفلسطينيين نزحوا من سوريا خاصة مخيم اليرموك إثر إندلاع الأزمة في سوريا، مسجل منهم حوالي 63 ألفاً في وكالة الأنروا، ويُقاسي اللاجئون في المخيم حياةً قاسية تشمل الفقر، والمسكن غير الملائم، والأمراض المتفشية، والبطالة بنسبة كبيرة، وهي أسباب يُقال إنها السبب الأبرز لاحتوائه على جماعات إرهابية عديدة استغلت هذه الأوضاع لاستقطاب الشباب إليها مقابل بدلات مادية مجزية بالإضافة إلى الأيديولوجيا الدينية، على الرغم من تواجد العديد من الفصائل الفلسطينية المسلحة داخل المخيم مثل حركتي فتح وحماس.
هذه التعددية الفكرية ولَّدت صراعات بين المنظمات المتشددة وقوات الأمن الوطني الفلسطيني على مدى أعوام كثيرة لكن أخطرها بحسب المراقبين تلك التي تجري حالياً، حيث يعيش الفلسطينيون هاجس تهجير آخر يكون مقدمة لإسقاط حق العودة.
عودةٌ لا تزال بعيدة المنال، ليس هذا فحسب، بل، إن الحلم بات العيش بأمان داخل المخيم نظراً لميدانه الذي لا يعرف الهدوء.
مصدرٌ مطلع في وكالة الأنروا قال لـ "LebanonOn" إن المدنيين يدفعون ثمن الصراعات، حيث بات الآلاف منهم من دون مأوى نتيجة فرارهم من جحيم الاشتباكات العنيفة التي اندلعت ليلة السابع من الشهر الجاري، بعد وقف هش لإطلاق النار لم يدم سوى أربعة أسابيع على إثر الصراع الذي دار بعد مقتل قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في صيدا اللواء أبو أشرف العرموشي على أيدي متشددين يتبعون لتنظيم ما يسمى "الشباب المسلم"، "جند الشام" وبقايا من "فتح الإسلام" وهي المجموعة الإرهابية التي قضى عليها الجيش اللبناني في مخيم نهر البارد شمال البلاد صيف العام 2007، بعد معارك طاحنة.
وأكد المصدر فرار مئات العائلات إلى خارج المخيم أو بعض أحيائه التي لا تزال بمنأى عن الاشتباكات، حيث سُجِّلَ فرار أكثر من 1500 شخص من المخيم، يعيشون حالياً في مسجد الموصلي وبلدية صيدا ومدرسة افتتحتها الأنروا لغاية إيواء النازحين.
نازحون عادوا أدراجهم من ملعب بلدية صيدا حيث وُضِعَت 35 خيمة لإيوائهم إلا أن الأمر قوبل باستياء لبناني رسمي وشعبي نظرا لخطورة الأمر، وكذلك على المستوى الفلسطيني حيث أُعتُبِرَ الأمر بداية لتصفية المخيم وبالتالي إسقاط حق العودة وربما التوطين، وتعتمد هذه العائلات في معيشتها على ما تقدمه وكالة الأنروا وبلدية صيدا وبعض الجمعيات الأهلية.
ويُشير المصدر لـ "LebanonOn" إلى أن غالبية من نزحوا هم من سكان مناطق البركسات، التعمير، الطوارىء، الصفصاف، حطين والرأس الأحمر، حيث دُمِّرَت هذه المناطق بشكل شبه كامل فضلاً عن احتراق مئات المنازل فيها، حيث فقد النازحون حوالي 750 منزلاً.
تشريد العوائل يأتي بالتزامن مع حرمان حوالي 5900 طفلاً من متابعة دراستهم خلال العام الدراسي 2023-2024 الذي ينطلق في الثاني من تشرين الأول المقبل بسبب سيطرة المتحاربين على 8 من المدارس التابعة للأنروا ويُشَدِّدُ المصدر لـ "LebanonOn" على أنه ولو خرج المسلحون منها فهي خارجة عن الخدمة تماماً بسبب تضررها بشكل كبير جراء الاشتباكات في جولتيها الحالية والماضية.
وإن كانت جولة العنف الماضية قد أدَّت بحسب مديرة شؤون الأونروا في إقليم لبنان دوروثي كلاوس لخسائرَ تُقدَّر بملايين الدولارات أعلنت عنها صراحة حين ناشدت للحصول على 15,5 مليون دولار للاستجابة للاحتياجات الناتجة عن الصراع في مخيم عين الحلوة للاجئي فلسطين في لبنان، فإن الرقم حالياً قد يتخطى ثلاثة أضعاف ما عليه سابقاً نظراً لحجم الدمار الهائل في جولة الاقتتال الحالية.
وأكد المصدر لـ "LebanonOn" أنَّه وعلاوة على ذلك فإن النداء يشتمل على المزيد من تدابير الاستقرار والإصلاحات والتدخل الإغاثي الطارىء، مثل تقديم المساعدة المالية للمتضررين من النزاع، ومساعدة مالية طارئة لمرة واحدة للعائلات التي فقدت منازلها في الصراع، وإصلاح وصيانة البنية التحتية العامة الحيوية، بما في ذلك شبكات إمدادات المياه والكهرباء، وإزالة الأنقاض وتوعية سكان المخيم والمناطق المجاورة حول الأضرار التي تسببها الذخائر غير المنفجرة وغيرها من مخلفات الحرب.