عزت ابو علي - Lebanon On
على مفترق طرقٍ خطير يقف لبنان في قعر انهياره، فالتخلخل الاقتصادي الحاد والانخفاض البالغ في قيمة الليرة اللبنانية والتضخم خماسي الرقم أثَّر بصورة مذهلة على حياة الناس وأرزاقهم.
مستويات قياسية للبطالة والهجرة وارتفاع حاد للفقر، وشهدت إمدادات الخدمات الأساسية كالكهرباء والصحة والتعليم العام والخدمات الحكومية اضطراباً بالغاً كما تعرضت برامج الدعم الاجتماعي الأساسية والاستثمارات العامة للانهيار، بالإضافة إلى الفراغ السياسي.
بشكل عام، تراجعت قدرات الإدارات العامة بشكلٍ كبير ولم يعد بوسع البنوك توفير الائتمان للاقتصاد وباتت الودائع المصرفية غير متاحة غالبا لأصحابها، فضلاً عن تواجد عدد هائل من اللاجئين ما فاقم التحديات التي يواجهها لبنان.
ورغم فداحة الأوضاع، التي تستدعي تحركاً فورياً وحاسماً، فلم يُسجل أي تقدم ملموس على مستوى الحكومة التي لا تزال عاجزة عن تحقيق الإصلاحات الاقتصادية التي يُطالب بها صندوق النقد الدولي.
وطالب الصندوق بحزمة إصلاحات تتلخَّص بتنفيذ استراتيجية مالية متوسطة الأجل لاستعادة القدرة على إبقاء الدين في حدود مستدامة وخلق الحيز اللازم لزيادة الإنفاق الاجتماعي والإنمائي، مروراً بإعادة هيكلة النظام المالي على نحو موثوق لاستعادة قدرته على البقاء ودعم التعافي الاقتصادي وسيقتضي ذلك الاعتراف بالخسائر الضخمة التي تحملها البنك المركزي والبنوك التجارية ومعالجتها صراحة، مع مراعاة التسلسل الهرمي للمطالبات، وحماية صغار المودعين، والحد من اللجوء للقطاع العام نظرا لمركز مديونيته الحالي غير القادر على الاستمرار، بالإضافة إلى توحيد أسعار الصرف وتشديد السياسة النقدية لإعادة بناء المصداقية في الاقتصاد وتحسين مركزه الخارجي، فضلاً عن تنفيذ إصلاحات هيكلية طموحة لتكون مكملة للسياسات الاقتصادية وخلق بيئة مواتية لتحقيق نمو أقوى، كتقوية إطار الإدارة المالية العامة لضمان سلامة الإشراف على الموارد العامة، وتعزيز الانضباط المالي، وزيادة شفافية عملية إعداد الموازنة، وإصلاح المؤسسات المملوكة للدولة لضمان سلامة الحوكمة، والشفافية، والسلامة المالية والتشغيلية، وتحسين توفير الخدمات، واحتواء المخاطر على المالية العامة، وصولاً إلى تعزيز أطر الحوكمة، ومكافحة الفساد، ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لإعادة اكتساب الثقة الاجتماعية لسياسات الحكومة وتشجيع النمو الشامل للجميع، لكن مطالب الصندوق الذي لا يزال ملتزماً بدعم لبنان دونها عوائق عدة على رأسها طبيعة النظام اللبناني وتركيبته الهجينة.
وفي محاولتها الأولى لإقرار الموازنة التي تُعَدُّ شرطاً خارجياً من الصندوق كما داخلياً من قبل حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري لتحقيق التوازي بين السياستين النقدية لمصرف لبنان والمالية للحكومة، ظهرت الحقيقة المؤلمة على لسان نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي الذي قال ما حرفيته "حتى الآن موازنة ٢٠٢٤ ليست إصلاحية فالخطوات المتعلقة بالإصلاح لم تناقش بعد ونحن بحاجة الى دولارات".
وحول كلام الشامي أوضحت الخبيرة الاقتصادية محاسن مرسل في حديث لـ "LebanonOn" أن الموازنة لا تَمُتُّ إلى الإصلاح بصلة فهي لم تُقَدِّم أية معالجة لمشكلة الدين العام، ولم تُشر إلى أية تأمينات متعلقة بشبكة الحماية الاجتماعية.
وشددت مرسل على أن الموازنة اقتصرت فقط على فرض مجموعة كبيرة من الضرائب لتحسين الجباية، وهي بمكان ما تأخذ من الفقير لتعطي الغني، كما أنها أَقَرَّت بالدولرة علناً وبشكل مباشر.
ولفتت مرسل إلى أن الموازنة بعيدة عن مطالب صندوق النقد الدولي، فهي لم تتناول صراحة الخطة الانقاذية، ولم تتحدث عن التهرب الجمركي ولا عن التهرب الضريبي، فقط قامت برمي كرة نارية من الضرائب بين أيدي الشعب اللبناني، ورأت أن الإيجابية الوحيدة فيها أنها أتت في موعدها الدستوري، لِتَكسِرَ قاعدة متبعة منذ فترة طويلة حين كانت الموازنات السابقة تُقَرُّ في نهاية العام في مخالفة واضحة لكل القوانين المرعية الإجراء.
على الساحة الدولية يجلد أًصدقاء لبنان، الحكومة، علَّها تستفيق من سباتها العميق قبل فوات الأوان، فالالتزام والمصداقية في ما يتعلق بالإصلاحات خطوة أساسية إن لم تكن الوحيدة، قبل أن يلتزم المجتمع الدولي بأي دعم مالي، والكرة الآن في ملعب دارسي الموازنة ومُقرِّيها.