عزت ابو علي - Lebanon On
وكأن التخبط الاقتصادي في لبنان لم يعد يكفي المواطن اللبناني الذي بات عاجزاً عن إيجاد مأجور ليحتمي تحت سقفه.
فقضية الإيجارات تشبه إبريق الزيت إلى حدٍ بعيد، لناحية القوانين التعسفية بحق المالك من جهة والمُستأجر من جهة أُخرى ولو بمستويات متفاوتة.
وتطغى اليوم قضية انعدام إيجاد منزل للإيجار للراغب بذلك وما هو ظاهر يدل على نسبة إشغال مرتفعة إن لم نقُل كاملة للأماكن السكنية.
لكن الأمر ليس على هذه الصورة، بل، يُخفي في طياته مسائل أخطر من ذلك، فهل يُكتَبُ على اللبناني قضاء ما تبقى من عمره في العراء؟
"رانيا حمزة" مواطنة لبنانية روت لـ "Lebanon On" معاناتها لإيجاد مأجور ضمن نطاق العاصمة بيروت.
تقول "حمزة" إن البحث عن مكان للسكن بات من أولويات حياتها وربما يأخذ الحيز الأكبر من وقتها!، فهي مضطرة لتوزيع وقتها بين العمل لإعالة نفسها وأهلها وإيجاد مكان للسكن.
وتلفت إلى أن الجشع والطمع والاستغلال، سمات للعديد من المالكين، الذين باتوا يُفضِّلون منح الأجنبي شقة على حساب المواطن اللبناني.
وتُشدِّد "حمزة" على أن كلامها بعيد كل البعد عن العنصرية، لكن ذلك لا يعني أن يبقى اللبناني من دون مكان يأويه، فالأجانب في لبنان وفي مقدمتهم النازح السوري يتقاضون رواتبهم بالعملات الصعبة من خلال أعمال عدة، هذا بالإضافة إلى إعانات الأمم المتحدة والجمعيات التي يتقاضاها النازحون، والتي تمكّنهم من الاستحصال على مكان للسكن بطريقة سهلة وسريعة.
وتؤكد "حمزة" أن معاناتها مع المالكين لا تنتهي، فهي إن وجدت مكاناً للسكن فالمأجور بحالة يُرثى لها، بعيد من مركز المدينة، وأسعار مرتفعة جداً، وبالعملة الصعبة، وشروط لا تنتهي ربما تكون مقوننة بعقد، وفي الغالب تفتقد إلى ذلك، بالإضافة إلى افتقاره لأدنى شروط العيش الآدمي لناحية المكان والحالة، وإن وُجِدَ المأجور ضمن نطاق المدينة فالأسعار اللامعقولة تطبعه على الدوام؛ ففي الغالب تتخطى كلفة السكن أكثر من ثلاثة أرباع الراتب فهل يكفي باقي فتاته للمأكل والمشرب والفواتير المُرهقة للكاهل؟!.
وتطالب "حمزة" ما تبقى من دولة، إن صح التعبير، بإيجاد حلٍ لهذه الأزمة، قبل الانفجار الاجتماعي الخطير الذي يُنذر بكارثة كُبرى، فغالبية أصحاب المِلك بحسب تعبيرها يُفضلون الأجنبي على اللبناني لعوامل عدة من أهمها تحكمهم به كما يشاؤون.
لكن الأخطر من ذلك ما أبلغ به أحد أصحاب المِلك "Lebanon On"، حيث كشف عن تأجيره منزل لإحدى العائلات السورية النازحة، وعند استحقاق السداد تعثَّر المُستأجِر وطالبه بمغادرة الشقة، لِيَنصّدِم في اليوم التالي باتصال من إحدى أهم الجمعيات العاملة في لبنان تطلب منه إبقاء النازح مقابل أن تدفع هي المستحقات عنه، وأكد أنه تقاضى المبلغ بشكل كامل مع الزيادات التي فرضها على المُستأجر، ما أثار ريبته ودفعه للتساؤل عن هذا التصرف، واعتبره بداية مُقَنَّعّة لتوطين النازحين في لبنان ودمجهم بالقوة في المجتمع.
ويُوافق "حمزة" هذا الرأي عضو تجمُّع المالكين في لبنان "رياض الريشاني" الذي يُقاسي مرارة قوانين الإيجارات المُجحِفة بحقه كما قال لـ "Lebanon On"، حيث كشف عن أنه يتقاضى في الوقت الحالي بدل إيجار سنوي عن شقة يُقدر بمبلغ 1400000 ليرة لبنانية وعن أُخرى مبلغ 860000 ليرة لبنانية فقط أي ما يُعادل تقريباً 25 دولار أميركي سنوياً فقط!
ويتهم "الريشاني" المُستأجر بتهجير المالك، وبالتالي دفع ذلك المالك إلى الخوف والارتياب من تكرار تجربة أقرانه ممن يكتوون بنار مسألة الإيجارات القديمة البخسة، لذا بات المالك يُفضل إحدى الطرق التالية للحفاظ على ممتلكاته، عبر بقاء المأجور خالياً، أو تأجيره للبناني يشعر تُجاهه بالاطمئنان لناحية التعاقد وحفظ حقوق المالك، وفي غالبية الأحيان فوز مستأجر أجنبي يمكن السيطرة عليه من قبل المالك بالمأجور.
"الريشاني" حمَّل الدولة مسؤولية الوصول إلى ذلك عبر قوانين بالية، طالب بإعادة صياغتها، بما يحفظ حقوق أصحاب المِلك، ويضمن تأمين مساكن بأسعار معقولة للباحثين عن ذلك، على حدٍ سواء.
وحول موضوع القوانين سأل "Lebanon On" المحامي والخبير القانوني "شريف الحسيني" الذي شدَّد على مسألة حرية تعاقد الفرد مع من يشاء؛ فالملكية الخاصة بحسب القوانين المحلية والدولية مُقَدَّسَة وكذلك مسألة السكن، ورأى أن الحلَّ يرتبط بشكل وثيق بتعديل قانون الإيجارات صوناً للماك والمسأجر معاً. ويلفت إلى أن على السلطات المحلية كالبلديات التشدد في مسألة تسجيل عقود الإيجار بشكل رسمي، وبالتالي فإن الأجنبي المقيم بشكل غير قانوني لن يُمكنه الحصول على مأجور مما يُتيح الفرصة أمام اللبناني لنيله ذلك، بالإضافة إلى ضرورة رفع الرسوم على الأجنبي بقانون واضح وصريح، مما يحقق مداخيل إضافية للدولة التي يُمكنها من خلال ذلك السير بمشاريع إسكان للبنانيين.
بين سندان الوضع الاقتصادي ومطرقة القوانين التي وَلَّدَت الفوضى، يبقى السكن حقَّاً إنسانياً لكل فرد، من واجب الحكومة تأمينه واعتباره أولوية لتحقيق مُوَاطَنَةٍ كاملة للجميع.