عزت ابو علي - Lebanon On
قضيةٌ شغلت وتشغل وستشغل الرأي العام على الدوام، وآفة اجتماعية خطيرة تُظهِر أقبح وُجُوهٍ لبشرٍ لم ينتسبوا للآدمية إلا بالتكوين الفسيولوجي فقط.
الابتزاز تلك الكلمة التي تنتشر في المجتمع انتشار النار في الهشيم، فمع التطور التكنولوجي الهائل وطغيان وسائل التواصل الاجتماعي على حياة البشر واستخدام أساليب التربية البدائية بما لا يتناسب والطور المجتمعي وقلة الإدراك أو جهل الضحايا شُرِّعَت الأبواب أمام هذا الواقع الخطير.
في البداية يبدأ المُبتز بإقامة علاقة صداقة مع الضحية، ومن ثم ينتقل للمحادثات الكتابية المُطَوَّلة، التي تتطور فيما بعد لصوتية ومرئية، ليقوم بتسجيلها، ومع الإيحاء للضحية بالأمان والحب والرعاية الخاصة والاهتمام المبالغ فيه، وبالتزامن مع قيام الجاني بلعب دور المُنقِذ، ودراسة سلوكيات ونفسية المجني عليها، وبراعته بمعرفة نقاط ضعفها، وفي لحظة التخلي يستدرجها لتُفشي أسرارها، أو يحصل منها على محتوى فاضح، كمقاطع مصوَّرة أو صور خاصة جداً أو ممارسة جنسية عن بعد، لِيُكَشِّر عندها عن أنيابه طالباً مقابلاً مادياً أو حتى حميمياً ثمناً لصمته أو فضحها في حال تمنَّعَت عن تلبية رغباته.
ما سبق حصل حرفياً مع الشابة "أ.ج" التي سردت لـ "Lebanon On" ما حدث معها.
اضُطرَّت "أ.ج" مع بداية الأزمة الاقتصادية إلى التخلي عن خطيبها نتيجة تعثُّره مادياً بتكليل أعوام الحب بالزواج بعد محاولات لم تلقَ إلا الفشل مصيراً لها.
دخلت "أ.ج" في أزمة نفسية حادة جداً وقضت معظم وقتها على وسائل التواصل الاجتماعي لتتعرف عن طريق "الفايسبوك" على شاب لبناني يعيش في إحدى بلاد الاغتراب كما أوهمها في البداية، وباتت هي الملجأ للشاب الذي روى لها معاناته المُتجسِّدة بالوحدة القاسية التي يعيشها للخروج من هذه الحالة، فامتدت ساعات المحادثات الكتابية اليومية عبر تطبيق "ماسنجر" منذ بداية المساء إلى ساعات الفجر الأولى.
لازم الأمر الطرفين مدة شهر واحد أقنعها بعد انقضائه بإعجابه الشديد بها ورغبته بقضاء ما تبقى من حياته معها، وبادلته هي الشعور نفسه، لِيَنتَقِلَا بعد ذلك إلى المحادثات الصوتية والمرئية.
ذات مرَّة طلب الشاب من "أ.ج" كما رَوَت لـ "Lebanon On" بأن تُريه بعضاً من تفاصيل جسدها، تمنَّعت في البداية لكن وبعد إصراره وتَجَاهُلِه لها وفي وقت كانت بِأمَسِّ الحاجة إليه عاطفياً رضخت للأمر حيث وقفت أمامه على الشاشة بلباس البحر لِيُبدِي إعجابه بكل تفاصيلها ورغبته بالارتباط بها حال زيارته الأولى إلى لبنان.
باتت هذه المحادثات اعتيادية وبشكل شبه يومي، كان الجاني وقتها يُسجِّل للضحية كل ما تقوم به، ليطلب منها ذات مرة أن تتعرى أمامه بشكلٍ كامل بعد إقناعها أن الأمر عادي وطبعاً بِاسمِ الحب ووعود الزواج، وهذا ما حصل مُضافاً إليه ممارسة الجنس عن بعد، وفي اليوم التالي أرسل إليها عبر عامل توصيل طلبات هدية تحتوي على هاتف جوال وباقةٍ من الأزهار فضلاً عن ورقة كتب عليها عبارات الحب والإعجاب والتأكيد على جديَّة العلاقة الذي سيُكللها بالزواج كما وعدها سابقاً، ولدى سؤالها له عن كيفية إرسال الورقة ادَّعي أنه أرسلها عن طريق زميلٍ له يعمل بذات المؤسسة خارج لبنان نزل إليه ليقضي إجازته.
لم يتبادر إلى ذهن "أ.ج" بحسب ما قالت لـ "Lebanon On" أي ارتياب من سلوكه وكان الأمر طبيعياً حتى أنها لم تُمانع للحظة من تكرار ممارسة الجنس عن بعد معه، لتستيقظ ذات مرة على رسالة وصلتها يقول الجاني فيها "افتحي الفيديو يلي بعتلك هو واحكيني".
قام الحبيب المُفترض بدمج مجموعة من المقاطع مدتها عدة دقائق في مقطع مصوَّر يحتوي ممارسات فاضحة لها، وهنا صُعِقَت "أ.ج" وحين كلمته قال لها " بدي إبعت لكل رفقاتك على الفايسبوك الفيديو خليهن يشوفوا وساختك"، وحين رَجَتهُ ألَّا يُنفِّذ تهديده طلب منها مقابل صمته مبلغاً مالياً قدره 2500 دولار أميركي فقالت إنها لا تملك هكذا مبلغ فأبلغها بضرورة بيع مصاغها الذهبي الذي أخبرته به سابقاً وإرسال المبلغ.
وبعد موجة من الرعب وإصرار الجاني وخوف "أ.ج" من عواقب ذلك عليها اجتماعياً باعت كل ما تملكه من حُلي والتقت بالضحية بناء على اتفاق مسبق في إحدى المناطق الساحلية لتسلمه المبلغ مقابل أن يَمسَحَ كل شيء فاضحٍ لها، لتنتهيَ أحلامها بخسارات على جميع الصعد، فهي آثرت الصمت والالتزام بتعليمات المُبتَز على فضحه والتقدُّم بشكوى لدى الأجهزة المعنية خوفاً من فضيحة قد تؤدي إلى قتلها في البيئة المحافظة حيث تعيش.
تُبدي "أ.ج" ندمها على ذلك وتطلب عبر "Lebanon On" من جميع أقرانها الحذر وممن وَقَعن فريسة الابتزاز ترك الأمر للقضاء لِحِمَايَتِهِنَّ وتقول إنها رَوَت قصتها للعبرة والتوعية فقط.
"Lebanon On" سأل المحامية والناشطة في مجال مكافحة الابتزاز دعاء منصور عن الموضوع فأكدت أنها على الصعيد الشخصي تتابع حالات عدة تعرضت للابتزاز وأبرز أوجهه عبر وسائل التواصل الاجتماعي بهدف الاستحصال على مقابل مادي، وتلفت إلى أن هذه الآفة تنتشر وبكثرة منذ سنوات عديدة لكنها ازدادت مع الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان حيث رأى فيها المُبتزون وسيلة سهلة لِجني أرباح ضخمة غير شرعية.
وعلى الرغم من أن قانون العقوبات اللبناني في مادتيه "650 و 257" يحمي كل من تعرَّض للابتزاز بالسجن والغرامة المالية والنشاط وحملات التوعية التي تقوم بها قوى الأمن الداخلي لمكافحة ذلك بالإضافة إلى توقيف عشرات المُبتزين سنوياً إلَّا أن الخوف بسبب الأهل والمجتمع ورُهاب الفضيحة من قِبَلِ الضحايا يمنح المُبتز قوة لخروجه "مُنتصِراً" أمام الضحية.
وتُشدِّد منصور على أن فترة الحَجرِ الصحي ساهمت بارتفاع النسب بسبب قضاء فترات أطول على مواقع التواصل الاجتماعي فخلال العام فمنذ العام 2020 ارتفعت بشكل مخيف لتصل إلى 307.50 بالمئة عمَّا كان مُسجلاً في السابق، وتكشف أنه على الرغم من تسجيل 815 شكوى إلَّا أن أعداد الضحايا أكبر من ذلك بكثير وتؤكد أن لبنان ليس وحده المعني بذلك بل وحتى في دول الخليج التي تُعتَبَرُ محافظة إلى حدٍ كبير يتم تسجيل حوالي 30 ألف جريمة ابتزاز سنوياً، وتُشير إلى أن النساء لَسنَ وحدهن ضحايا ذلك بل الرجال أيضاً بنسبة تصل إلى 20 بالمئة مقابل 80 بالمئة للنساء من مجمل ضحايا الابتزاز.
وتُفنِّدُ منصور الآثار السلبية للضحايا، فعلى الصعيد الاجتماعي فإن الابتزاز يؤدي إلى عُزلة الضحية وإلحاق الضرر بسمعتها ومكانتها الاجتماعية والعملية، فضلاً عن الآثار النفسية التي تجعل الضحية دائماً في حالة من التوتر والقلق والتعب والحزن وفقدان الثقة بالجميع وصولاً الى الاكتئاب الذي يؤدي في الغالب الى الانتحار.
وعن مواجهة الظاهرة تطالب منصور الضحايا بالتمتع بالجرأة وعدم الخضوع للمُبتز وقطع التواصل معه مهما كانت الضغوطات، وعدم تحويل أية مبالغ مالية، وتجنب الدخول بمشادات كلامية معه، وطلب المساعدة من شخص قريب وعدم تحمُّل الأعباء بشكل منفرد، وعدم التهديد بالشرطة بل اللجوء إلى القانون عبر تقديم شكوى في مكتب الجرائم الالكترونية أو عبر خدمة "بَلِّغ" على موقعها الالكتروني، وتلفت منصور لتفادي الوقوع في ذلك عدم التواصل مع أي شخص غير موثوق به، وعدم الدخول الى مواقع مشبوهة لتفادي اختراق الهواتف الجوَّالة، هذا بالإضافة إلى التمتُّع بالوعي والإدراك وعدم إرسال أي صور أو فيديوهات مُخِلَّة بالشرف وعدم الاحتفاظ بصورٍ فاضحة على الهواتف نظراً لسهولة السيطرة عليها بسبب تطور الوسائل التي تُساعد على ذلك.
الابتزاز جريمة، لا خطأ ولا مُزاح، ضحاياه ليسوا السبب المُباشر، بل، من يتحمَّل ذلك بالدرجة الأولى الجُناة وتقاليد التربية والمجتمع، فضح المُبتزين واعتقالهم ومحاكمتهم وإنزال أشد العقوبات بهم، بالإضافة الى التوعية وتغيير تقاليد المجتمع عبر تحطيم رُهاب الخوف منه، خطوات صحيحة تُعالج الأسباب من جذورها، لا النتائج من قشورها.