عزّت أبو علي - Lebanon On
تُعتبر مسألة القطاع العام من أكبر الجدليات في لبنان، حيث يتصدَّر أبناء هذا القطاع باستمرار ساحات المواجهة ضد الحكومات المتعاقبة لتحصيل حقوقهم.
حتى العام 2017 عاش موظفو القطاع العام في صراع مع السلطة السياسية التي رضخت أخيراً لمطالبهم وأقرَّت لهم سلسلة الرتب والرواتب بعد توقف تصحيح الأجور منذ العام 1998 حين حصل الموظفون على سلسلة الرتب والرواتب.
رغد العيش إن صح هكذا توصيف، لم يستمر لأكثر من عامين حين بدأت الأزمة الاقتصادية وما رافقها من انهيار لسعر صرف العملة الوطنية في مقابل الدولار الأميركي في العام 2019.
كان موظفو القطاع العام أكبر ضحايا هذا الانهيار فانخفضت قيمة رواتبهم لدرجة أن من حصَّل منهم المئة دولار، القليل فقط بحسب فئاتهم الوظيفية، ليُطلقوا تحركات لم يستفيدوا منها إلا بحلول ترقيعية فتضاعفت رواتبهم لثلاثة أضعاف قبل أن يصدر المرسوم رقم 11227 الذي قضى بمضاعفة أجورهم لنحو سبعة اضعاف وتقاضوها وفقاً لمنصة صيرفة إلا أن ذلك لم يوصل رواتبهم في أفضل الأحوال لأكثر من مئتين وخمسين دولاراً بقليل.
اليوم يعيش الموظفون هاجس توقف منصة صيرفة وبالتالي توقف مصدر الدولار عنهم وعودة تقاضيهم لرواتبهم بالليرة اللبنانية غير المستقرة.
ممثل رابطة موظفي الإدارة العامة لدى الحكومة حسن وهبي كشف في حديث لـ LebanonOn عن أنّه اجتمع بوزير المال الذي وعده ببذل الجهد لاستمرار تقاضيهم الرواتب على أساس منصة صيرفة، تجنباً لخساراتهم حوالي 10 بالمئة من رواتبهم الضئيلة أصلاً في حال إيقاف المنصة، وشدد على أن الهدف ليس الحصول على فرق منصة صيرفة فقط بل إيجاد حلّ جذري لمشكلة الرواتب على أساس تقاضيهم 30 بالمئة من قيمة رواتبهم السابقة بالدولار الأميركي، فمن كان يتقاضى مثلاً 1000 دولار قبل الأزمة (1500000 ليرة لبنانية)، لا بدَّ بحسب المقترح تقاضي أكثر من 300 دولار أميركي بقليل في الوقت الحالي.
ويعترف وهبة بأن الإضراب لم يعد وسيلة ناجحة لتحصيل الحقوق بسبب طول أمده ولخرقه من قبل بعض الموظفين الذين عادوا لممارسة عملهم، لكن وهبة قال بإن الموظفين يمتلكون أوراق ضغط عدة لا تزال في جعبتهم في حال إلغاء صيرفة وعدم الاستجابة لمطالبهم ولكل حادثٍ حديث.
وفيما يخص الكلام عن محاولات إحلال خريجي جامعات بدعم من undp مكانهم نفى وهبة ذلك، وأكد أن هذه المنظمة فقدت الثقة بالدولة اللبنانية وهي تقوم بالمساعدة ولكن غير النقدية من قبيل تأمين المستلزمات للإدارة العامة.
وفيما يتعلَّق بقيامها بتشغيل بعض خريجي الجامعات أو الطلاب شدد على أن الأمر سينتهي بحلول أواخر الشهر الجاري وأنه لا يتعدى مسألة إنهاء أعمال متراكمة في مقابل حصول العامل على 15 دولاراً في اليوم، لكنه أكد بأن أية محاولات لإحلالهم مكان موظفي الملاك ستكون لديه تداعيات خطيرة وسيواجه بالطرق المناسبة.
وانتقد وهبة الهجوم الدائم على الموظفين وتحميلهم مسألة الانهيار الاقتصادي، وأوضح أن الحديث عن الـ 300 ألف موظف في الملاك الإداري العام هو عارٍ عن الصحة، وفسَّر لـLebanonOn كيفية توزُّع الموظفين: 120 ألفاً في المؤسسات العسكرية والأمنية، 120 ألفاً من المتقاعدين، 50 ألفاً يتوزعون بين الأساتذة وموظفي المؤسسات العامة من قبيل مؤسسات المياه، كهرباء لبنان، أوجيرو والضمان الاجتماعي...
وبحسب وهبة يبلغ عدد موظفي الإدارة العامة فقط 10 آلاف موظف، وبالتالي فإن عدد موظفي القطاع العام هو 60 ألفاً بين الإدارة والتعليم والمؤسسات العامة وليس 300 ألفاً كما هو متعارف عليه، ويؤكد بأنه وبحسب مجلس الخدمة المدنية فإنه من أصل 27 ألف وظيفة في الملاك الإداري العام فإن المشغول فقط حوالي 10 آلاف وظيفة وبالتالي هناك شغور بحوالي 17 ألف وظيفة بنسبة 60 بالمئة بسبب وقف التوظيف مما اضطر العديد من الموظفين لشغل أكثر من منصب في نفس الوقت.
ويلفت وهبة الى أن 3 بالمئة من الموظفين تقدموا باستقالاتهم نتيجة الأزمة فيما قام حوالي 7 بالمئة من الموظفين بأخذ إجازات دون راتب أو استيداع بسبب حصولهم على وظائف خارج القطاع العام.
وفي رده على سؤال حول ما إذا كان الأمر مقصودا لتصفية الإدارة العامة والسير نحو الخصخصة أكد وهبة بأن ذلك غير وارد، فالدولة تجبي مداخيلها من خلال ضرائب ورسوم تمثل واردات الدولة وبالتالي كيف يمكن تحقيق الجبايات من دون موظفين؟ والحل يكمن في منح الموظفين الإداريين بخاصة في المؤسسات المنتجة رواتب بالدولار الأميركي خاصة وأن الجبايات تتم حالياً بالدولار لجميع المعاملات دون استثناء، لكن الدولة ليس بمقدورها تخصيص واردات معينة لنفقات محددة بحسب قانون المحاسبة العمومية والأمر يحتاج لقانون.
وعن دور التفتيش المركزي في متابعة تطبيق قرارات الحكومة المتعلِّقة بعودة الموظفين إلى مكاتبهم، قال وهبة إن التفتيش جزء من الرابطة وهو يستأنس بالقانون فمن جهة لا يخالف قرارات الحكومة ومن جهة أُخرى يسعى لتأمين استمرارية العمل آخذاً بعين الاعتبار مسألة الأوضاع الاقتصادية للموظف خاصة تكاليف وصوله إلى عمله وهو لا يقوم بفصل أي موظف لغاية الآن بل يكتفي بالإنذار والتنبيه.
ويؤكد وهبة بأنهم في مرحلة تفاوض مع الحكومة لإيجاد حلٍ جذري لأزمتهم لكن التجاذبات السياسية خاصة الشغور الرئاسي وتأخر إقرار الموازنة حتى نهاية العام تُعرقل الحلول، وحذَّر من خطوات تصعيدية في حال تجاهل مطالبهم يكشفون عنها في الوقت المناسب.
إذاً ترهل الدولة انعكس سلباً على موظفيها وبالتالي على غالبية من كانوا يشكلون الطبقة الوسطى قبل الأزمة وتحولوا بفعلها إلى فقراء وما دون خط الفقر، فالسرقات والهدر عبر مئات الأبواب هي المسبب الرئيسي للانهيار وليس رواتب الموظفين الذين يقومون بأعمالهم، والحل يبدأ بالمحاسبة ووقف المزاريب التي تسربت عبرها مئات المليارات من الدولارات إلى جيوب من لا يستحقوها وعملوا على تهريبها إلى خارج البلاد، إعادة هذه الأموال إلى الخزينة ومحاسبة الفاسدين تشكِّل الخطوة الأولى والرئيسية على طريق الحلول.