عزت أبو علي - LebanonOn
ما إن حطت الحرب العراقية – الإيرانية أوزارها، حتى اشتعلت الخلافات بين الرئيس العراقي صدام حسين وجيرانه في الخليج العربي.
في الثامن عشر من تموز 1990 بدأت الأزمة بين العراق والكويت، عندما اتهمت بغداد جارتها بقضمأراضيها وسرقة النفط من حقل الرميلة النفطي في جنوب البلاد، وطالبت بتسديد أكثر من ملياري دولار.
نفت الكويت هذه الاتهامات، وردت بأن العراق هو من يحاول حفر آبار النفط في أراضيها، واتهم العراق الكويت أيضا بأنها تُغرق عمداً سوق النفط.
بين البلدين خلافات عديدة، لكن قضية ترسيم الحدود المعلقة منذ استقلال الكويت في العام 1961 هي الأكثر تعقيداً.
وطالبت بغداد الكويت بإلغاء الديون التي اقترضتها منها خلال حربها ضد إيران (1980-1988)، معتبرة أنها دافعت بها عن هذه الدولة الخليجية أيضاً.
وفي 20 تموز 1990، بدأت الجامعة العربية وساطتين، لكنهما فشلتا، وتم تعليق المحادثات العراقية الكويتية في الأول من آب في ذلك العام.
ورغم صلابة صدام حسين التي يعترف بها الجميع، إلا أن غموض الموقف الأميركي شجعه على ذلك، فالرجُل اجتمع مع السفيرة الأميركية في العراق وقتذاك أبريل غلاسبي التي أوضحت للرئيس العراقي أنها لا تملك رأياً في خلاف العراق الحدودي مع الكويت، لكن الأهم ما أرسلته وزارة الخارجية الأميركية من تأكيدات في وقت سابق لصدام بأن واشنطن ليست لديها التزامات دفاعية أو أمنية خاصة تجاه دولة الكويت.
غلاسبي اعترفت لدى مثولها أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في واشنطن في آذار 1991 على أن صدام حسين قاطعها مراراً، وأخبرها بقائمة من المظالم لتوصلها للرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش، كما أنه اتهم الولايات المتحدة بأن لها نوايا خبيثة ضد بلده.
إصرار صدام حسين على دخول الكويت تُرجِمَ في الرابع والعشرين من تموز من العام 1990 بحشوده العسكرية الهائلة الحدودية مع الكويت، فالرجل كان يمتلك جيشاً يُعد الأقوى في الشرق الأوسط.
حشد صدام 100 ألف جندي من نخبة جنوده و300 دبابة، وهو ما كان يفوق طاقة الجيش الكويتي، الذي يبلغ عدده 16 ألف رجل فقط.
في الثاني من آب 1990، بدأت القوات العراقية دخول الأراضي الكويتية واحتلال مواقع داخلالبلاد، ووقعت اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة بين الوحدات الكويتية والجيش العراقي وسط العاصمة الكويت.
سقطت الكويت خلال ساعات معدودة بيد صدام حسين، وَفَرَّأمير الكويت جابر الأحمد الصباح إلى السعودية، في حين قُتل شقيقه الشيخ فهد،في وقت توجه فيه الجيش العراقي إلى مينائي الشعيبة والأحمدي النفطيين.
أدان المجتمع الدولي بشدة الغزو، في حين سجلت أسعار النفط ارتفاعاً كبيراً.
على وقع ذلك، طالب مجلس الأمن الدولي خلال اجتماع طارىء بالانسحاب الفوري وغير المشروط للقوات العراقية وجمدت واشنطن جميع الأصول العراقية في الولايات المتحدة والشركات التابعة لها في الخارج، وكذلك الأصول الكويتية لمنع كويتيين من الاستيلاء عليها لحساب بغداد، وأوقف الاتحاد السوفياتي توريد الأسلحة للعراق.
وفي السادس من آب، فرض مجلس الأمن حظراً تجارياً ومالياً وعسكرياً على العراق.
إلا أن الثامن من الشهر نفسه، حمل ملامح التغيير لوجه الشرق الأوسط إلى الأبد حين أعلنت واشنطن إرسال قوات إلى السعودية، لتصل صباح اليوم التالي وفي اليوم التالي طلائع جنود ما اصطُلِحَ تسميتها بعملية درع الصحراء، التي عُرِفَت بعد بدء الحرب لاحقاً بعاصفة الصحراء، بالتزامن مع إعلان العراق ضم الكويت الكامل وعلى نحو لا رجعة فيه إليه وأعلنت بغداد التقسيم الإداري للكويت، وجعلت مدينة الكويت والمناطق المحيطة بها المحافظة 19 بالعراق.
أغلق العراق حدوده، وحجز آلاف المدنيين الغربيين والعرب والآسيويين رغماً عن إرادتهم في العراق أو الكويت، وتم استخدام نحو 500 شخص دروعاً بشرية لأكثر من 4 أشهر.
خلال ذلك كانت الديبلوماسية سيدة الموقف لكن فشلها في إقناع العراق بالانسحاب من الكويت دفع مجلس الأمن في 29 من تشرين الثاني للدول الأعضاء باستخدام جميع الوسائل اللازمةإذا لم يغادر العراق الكويت قبل 15 كانون الثاني 1991.
في 17 من الشهر نفسه بدأت عملية عاصفة الصحراءبقصف جوي مكثف، وفي اليوم التالي ولعدة أسابيع ردَّ العراق بإطلاق صواريخ سكود على إسرائيل والسعودية.
وحثَّت الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا، إسرائيل على عدم الرد، ونشرت الولايات المتحدة بطاريات باتريوت المضادة للصواريخ في إسرائيل في 20 كانون الثاني.
في 24 شباط 1991، انطلقت الحملة البرية ضد العراق، وبعد 3 أيام أعلن جورج بوش أن "الكويت تحررت"، وأن "الجيش العراقي هزم".
وفي اليوم التالي، وافقت بغداد على جميع قرارات الأمم المتحدة، وترك العراقيون وراءهم بلداً مدمراً وأكثر من 750 بئراً للنفط مشتعلة.
تغيَّر وجه المنطقة، عربياً قسَّمت الأزمة العرب، حيث شاركت الجيوش المصرية والسورية في التحالف، مما أثار استنكار دول عربية أخرى، وأطلت الخلافات العربية – العربية برأسها وتظهر نتائجها فيما يلي من القِمم.
داخلياً، انتهت الحرب بأن أصبح العراق بلداً معزولاً عن العالم، حتى تاريخ سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين على يد أميركا وحلفائها في العام 2003، ومن ذلك الحين لم يشهد العراق ولا المنطقة لحظات استقرار تُذكر.
لا شك أن الرياح سرت بما لم يشتهِ الرئيس العراقي، قال صدام حسين لمجلس قيادة الثورة بحسب وثائق سرية حصلت عليها واشنطن بعد غزوها عام 2003 : "إن شاء الله سيخسرون، وهذا هو أهم شيء. لقد خسروا المعركة على المستويين الإنساني والأخلاقي. إن شاء الله ستكسبون كل شيء. سوف تفوزون على هذا المستوى، وكذلك على المستوى المادي".
يعتقد الكثير من الباحثين أن اتجاهات صدام حسين الروحانية والدينية لعبت دوراً في قراراته، حيث أظهرت وثائق أن هذا الجانب الإيماني والإسلامي حضر في اجتماعات القيادة العراقية البعثية منذ الثمانينيات، إذ ضرب صدام المثل بمجتمع النُّبوَّة بوصفه النموذج الذي يُحتذى به، فضلاً عن وضعه كلمة "الله أكبر" على العلم العراقي، كما أن بعض رجاله، وعلى رأسهم عزت الدوري، حاول استلهام طرق التعبئة من تجارب الخلافة الراشدة والمجتمع النبوي.
لعل يقين صدام حسين بأن التاريخ سيُنصِفه لجهة غزو الكويت، بالإضافة إلى ثقته المبالغ فيها بقدراته العسكرية، واعتقاده بأن الولايات المتحدة لن تدخل الحرب، عوامل لعبت الدور الرئيسي في اتخاذ القرار الذي أطلق قصة نهايته، تصرفات صدام التي اضطرته لدفع تعويضات كبيرة للكويت عبر الأمم المتحدة، وخضوعه لعقوبات دولية قاسية لنحو 13 عاماً، وانتهت بإعدامه، لم تُلغِ أن الرجل كان جسوراً لجهة قراراته، لكن الأحلام لا تتحول إلى واقع إلا إذا أَخَذَ الحالم بالأسباب.