ميسا جبولي
لم يعد مستغربا أن الحكومة اللبنانية تتعامل بغموض دائما حول القضايا الإنسانية والوطنية، 18 عاما والحكومة اللبنانية تتهرّب من المسؤولية، فمن ملف المعتقلين اللبنانيين قسرا في سوريا إلى ملف تفجير المرفأ وغيره، دائما الحكومة اللبنانية تنفض يدها من ملفات شاركت بارتكابها.
وبالإضافة إلى انها لم تتعامل يوما مع مثل هذه الملفات بحكمة وضمير، تخرج دائما بوقاحتها لتبرر فعلتها، فعلى مرور عدة حكومات، يتغاضى المعنيون أصوات استغاثة الأمهات: "أين رفات ابني؟ أخي؟ وأبي؟"
أحياء كانوا أم أمواتاً، رفات المفقودين اللبنانيين حق لكل أم وأخ وأخت.
وعلى الرغم من الانسحاب السوري من لبنان منذ العام 2005، وإقامة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء، لم يتم البحث في هذا الملف بجدية حتى اللحظة، ولم يأتِ المعنيون بتوضيح ولو بسيط عن مصير المفقودين في السجون السورية.
مؤخرا، كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد تبنّت قراراً ينصّ على إنشاء مؤسسة مستقلة تحت رعاية المنظمة الدولية للتعامل مع قضية المفقودين والمخفيين قسراً في سوريا، وحظي مشروع القرار الذي صاغته لوكسمبورغ بدعم 83 دولة، في حين اعترضت عليه 11 دولة، وامتنعت 62 دولة من ضمنها لبنان عن التصويت من أصل 193 دولة عضواً في الجمعية العامة.
معتقل سابق يروي ما شاهده في السجون السورية: الطرقات كانت مليئة بالجثث
في هذا السياق، قال العميد المتقاعد فايز كرم الذي اعتقل 5 أشهر في سوريا في حديث خاص مع موقع LebanonOn: "اعتقلنا الجيش السوري آنذاك بناء على طلب القيادة السورية التي طلبت أسماء معينة لضباط في مراكز محددة، وجاء قرار اعتقالنا بعد أن تم الحديث عن اعادة تأهيل الجيش، واعتقلنا أنا وعدد من الضباط لإبعادنا عن امكانية تنظيم واعادة تأهيل الجيش وكي لا نكون مؤثرين في قرار معين".
وعن المأساة التي واجهها المعتقلون، قال: "الطرقات كانت مليئة بالجثث، وفي دار الوحش، شاهدنا العسكريين مربوطين الى جانب الطريق، السيارات محروقة، والناس مقتولة داخل سياراتها".
وأضاف: "أما المعاملة داخل السجن، كانت مختلفة عن باقي المعاملات لكوننا ضباطا، إلا إنّ القوانين كانت صارمة جدا، ونحن كضباط لم نواجه التعذيب كثيرا، ولكن لا يمكن ان ننسى ابدا الليالي التي امضيناها في المنفردة وهي غرفة صغيرة جدا بحجم المصعد الكهربائي تقريبا، قضينا فيها 5 أشهر". وتابع: "لم يكن لدينا اية معلومات عن وجود مفقودين، ولا اتصور بعد 50 عاما ان يكون المفقودون على قيد الحياة، لأنّ ظروف السجن هناك لا تضمن الحياة وليس من مصلحة أحد ان يتركهم على قيد الحياة لان المعتقل بحاجة لعناية صحية وغذائية".
وقال كرم الذي يعد شاهد من قلب المعارك: "في ايام الحرب كان هناك مفقودون لدى ميليشيات لبنانية، إنّما حمّلوا النظام السوري المسؤولية".
وشدّد على أنه "من المعيب تحويل حياة الناس الى تجارة سياسية"، من هنا ذكّر كرم بما حصل في دير القلعة حيث تم تصفية الرهبان وعناصر من الجيش وقال: "حينها، اعتبر ذويهم أنهم مفقودون في سوريا، ولكن للأسف تمت المتاجرة بهم سياسيا، وأؤكد وبحسب معلوماتي أن هؤلاء تمت تصفيتهم في لبنان".
عن جرم الميليشيات في الحروب: ضباط إعتُقد أنهم معتقلون في سوريا وجدت رفاتهم في لبنان
من جهة أخرى، أشار مصدر مطّلع في حديث خاص مع موقع LebanonOn إلى أن "بعد الكشف عن مقبرة جماعية في وزارة الدفاع، تمّ العثور على رفات ضباط قيل أنّهم متواجدون في سوريا. ومن بين هؤلاء الضباط، ضابط من عائلة أبو هليون وآخر من عائلة أبو سرحال، كان أهلهما يعتقدون أنهم متواجدان في سوريا ولكن تم العثور على رفاتهما في المقبرة التي تم فتحها في العام الـ 2007".
ولفت المصدر الى ما كان يحصل في الحروب، من سمسرات، واستغلال لظروف أهالي المفقودين الذين كانوا يوهمون الأهالي بأنهم قد يساهمون في إعادة أبنائهم المفقودين، مقابل مبالغ مالية باهظة.
وأكد المصدر نفسه أنه "لا يمكن ان ننكر أنه لا يوجد لبنانيين مفقودين في سوريا، ولكن فوضى الحروب وجرم الميليشيات تشكّل عقدة أساسية في فتح هذا الملف على مصراعيه".
كما أشار المصدر إلى ان "حل هذا الملف يتطلب تنسيقا بين الدولتين اللبنانية والسورية، وأعتقد أنّ هناك صعوبة في الكشف عن المفقودين ورفاتهم خاصة بعد ما مرت به سوريا من أزمات وحروب"، مشيرا إلى أن "الفوج في الجيش السوري الذي كان عند عملية الأسر قد تبدّل، هذا بالإضافة إلى انه ربما قد يكون عناصر هذا الفوج قد فارقوا الحياة".
وقال: "ميليشات الحرب لم ترحم، جميعها متورط في الحرب والقتل والأسر، ففي أيام الحرب لم يكن هناك تنظيم وسجلات لأسماء المخطوفين وأي نوع من أنواع التنسيق، فما يحصل في الحرب أكبر مما يمكن تخيّله".
وفي المعلومات التي إطّلع عليها المصدر ونقلها لموقع LebanonOn فإنّه جرى تصفية العديد من المخطوفين على الطريق قبل أن يصلوا بهم الى سوريا حتى.
700 شخص يرجح انهم معتقلون في سوريا
بدوره، قال رئيس المركز اللبناني لحقوق الانسان وديع الأسمر في حديث خاص مع موقع LebanonOn تعقيبا على التطورات الأخيرة انّه "لم نكن ننتظر أمرا آخر من الحكومة اللبنانية، فما قامت به أحزننا، لأنّ هذا الملف يستحق المزيد من الجهود".
وأضاف: "هذه السلطة منذ العام 2005 لم تفعل شيئا، ومنذ خروج النظام السوري لا يزال المعنيون في لبنان تابعون للنظام السوري والخارج". وأشار إلى ان "هناك "نحو 17000 شخص مفقودا منهم من تمت تصفيتهم في لبنان، ومنهم من اعتقل في الخارج".
وقدّر أنه "حوالي 700 شخص يرجح انهم في سوريا، منهم من سلمتهم الميليشيات اللبنانية الى سوريا تحت حجة ان النظام السوري اجبرهم على تسليمهم، ومنهم من تمت تصفيتهم على ايادي ميليشيات لبنانية واتهموا النظام السوري لابعاد الشبهات عنهم لتبييض سجلاتهم امام اللبنانيين".
وأشار الأسمر إلى ان "الهيئة الوطنية التي تم انشاؤها بعد القانون 105 لمفقودي الحرب تم تعمّد انشائها لإقصاء الجمعيات التي تعمل على ملف المخفيين، كما تم تشكيلها لأسباب طائفية وسياسية التي أدت إلى عدم تفعيل هذه الهيئة".
وأكد أنّه "حتى اليوم مصير المفقودين قسرا لا يزال مجهولا وعلى الدولة اللبنانية أن تقول إن كانوا في مقبرة جماعية أو في سوريا، واذا كانوا في المقبرة الجماعية، يجب على من وضعهم في المقبرة طيلة هذه السنوات أن يحاسب".
وعن خطواتهم المقبلة تجاه هذا الملف، قال الأسمر إنّهم يحاولون العمل على الملفات ويبدو انّها معقدة، كما إنّهم يحاولون الإستفادة من قانون 105 لمحاسبة مرتكبي الإخفاء القسري".
وأكد أنه "يتم التواصل مع منظمات سوريّة ومن خلال الآليات التطبيقية للإبقاء على الإطار الواسع لضمّ كافة المفقودين اللبنانيين والسوريين قبل العام 2011".
ودعا الأسمر إلى ضرورة إعادة تفعيل الهيئة الوطنيّة للمفقودين بشكل جدّي يضمن وجود ممثلين عن كل الجمعيات التي تعمل على الملف.
رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين قسراً وداد حلواني: كل المفقودين قضيتي ونضالي
من ناحيتها، قالت رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين قسراً وداد حلواني في حديث خاص مع موقع LebanonOn إن "الامتناع عن التصويت هو قرار مستنكر ومعيب وخاصة ان قضية المفقودين في لبنان او سوريا هي قضية انسانية بامتياز ولا يجب ان يكون اي بلد ضده خاصة ان هذا الملف لا يزال منذ ايام الحرب".
وأكدت حلواني أن "كل المفقودين قضيتي ونضالي، ومعاناة الانتظار لا احد يمكن ان يعرفها سوى اهالي المفقودين".
وأضافت: "لا اعتقد ان أحدا من اهالي المفقودين استطاع ان يتواصل مع المفقودين وارسال لهم مستلزمات من أكل وألبسة، فلو استطعنا فعل ذلك لكنا تأكدنا من مكانهم".
وتوجّهت حلواني الى السياسيين، وقالت: "لا يكفي أن تستنكروا قرار الحكومة، إنّما يستوجب عليكم أن تضغطوا وتطالبوا بإزالة العراقيل من أمام الهيئة الوطنية الرسمية التي تشكّلت بموجب قانون المفقودين والمخفيين قسرا للقيام بعملها والكشف عن مصير المعتقلين".
من جهته، أكد رئيس لجنة حقوق الانسان النائب ميشال موسى في حديث خاص مع موقع LebanonOn أن "حل هذا الملف يتم بالتنسيق بين السلطة اللبنانية والسورية"، مشيرا إلى ان "الدولة اللبنانية بانتظار القرار من الامم المتحدة، وعندما كان هناك لجنة تنفيذية سابقا مع لجان قضائية تعمل على الملف، لم يكن هناك اعتراف سوري بوجود معتقلين".
وأكد موسى أنّ "قرار الدولة لم يمنع الامم المتحدة من المتابعة في هذا الملف، ومن حق الأهل معرفة مصير ابنائهم واسترجاع رفاتهم لتبريد قلوبهم".
يبقى هذا الملف، ويضاف إليه عشرات الملفات الانسانية والوطنية بلا حلول. وتبقى دماء شهداء الحرب، وشهداء المرفأ وشهداء هذا الوطن في رقاب المعنيين والمسؤولين، على أمل أن يتم إحقاق العدالة يوما ما لتبريد قلوب الأمهات.