تريزا فخري - LebanonOn
خطيرة هي، المراحل التي يجتازها الذكاء الاصطناعي ويسير باتّجاهها، لدرجة أصبح فيها أصحاب الابتكارات يحذّرون من اختراعاتهم ومما يمكن أن تحقّقه ان وقعت بين الأيادي الخطأ. ما يعيد الى الذاكرة حادثة الكيميائي ألفرد نوبل الذي اخترع الديناميت من أجل تفجير الأنفاق وشقّ الطرقات ومن ثمّ خسر شقيقه بسبب اختراعه الذي تحوّل الى آلة قتل. وبما أن ابتكارات عباقرة عصرنا متاحة لجميع الناس على هذا الكوكب، من الممكن القول أنّ ما وقع قد وقع ووقعت معه الاختراعات بين الأيادي الخطأ.
لافتة جدّاً هي، اللحظة التي استمع فيها الناس منذ أيام الى أغنية جديدة بصوت سيدة الغناء العربي كوكب الشرق أم كلثوم. للحظات يُصدم العقل البشري ويحاول التأكّد من صحّة ما يسمعه، ولا يدرك القلب الشعور الذي يجب ان ينتابه، كي يبقى محتاراً بين الاعجاب والرفض.
أزمة كبيرة قرعت أبواب عائلات فنّاني الزّمن الأصيل الرّاحلين، من العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ الى الشحرورة صباح، وصولاً الى المطرب الأسطوري صباح فخري.
استنساخ الأصوات ليس بأمر حديث فهو موجود منذ سنوات عدّة، ولكنه اليوم، يعيش عصره الذهبي بعدما تمّ تطويره بطريقة شبه مثاليّة، حيث تتيح تطبيقات استنساخ الصوت ميّزات عدّة تجعل من الصعب للمستمع معرفة ما اذا كان التسجيل الصوتي حقيقياً أم مستنسخاً.
ويرى الكاتب والناقد الصحفي جمال فياض في حديث لـLebanonOn ان استنساخ أصوات الفنانين هو أمر يشكّل فوضى لا يمكن ضبطها وهي في طريقها نحو الانتشار أكثر فأكثر كالوباء، وليس هناك أي رادع لهذه الظاهرة سوى الأخلاق الفنّية، والأخلاق اليوم معدومة، حيث سنصل الى وقت يستطيع فيه الجميع ان يغنّي أغاني المطربين بفضل الذكاء الاصطناعي.
وأشار الى الخلاف القائم بين الملحّن المصري عمرو مصطفى الذي روّج لطرح أغنية بصوت أم كلثوم والمنتج محسن جابر الذي طالب الأخير بعدم طرح الأغنية، مشيراً إلى أنّه يمتلك توكيلاً رسمياً من جميع الورثة الشرعيين لأم كلثوم، مهدداً بأنه سيتخذ كل الإجراءات القانونية لوقف الأغنية.
وتخوّف فيّاض من الظاهرة المستقبليّة والتي ستشمل الصوت والصورة أي عندما يتمّ فبركة مقطع فيديو كامل للمطرب أو للفنان أو لشخص عادي وهو يقوم بأداء الأغنية، ومن ثمّ سنرى مشاهير كعبد الحليم حافظ ومايكل جاكسون وآخرين في أفلام سينيما مفبركة، اضافةً الى الهولوغرامات التي ستُمكّن من اظهار فنّانين عالميين كإلفيس بريسلي، داليدا، شارل أزنافور، فرانك سيناترا، ميراي ماتيو وجاك بريل، بشكل مباشر، ما يتيح فرصة الجلوس الى جانبهم وكأنهم واقعيون، كي تتطوّر الظاهرة وتصل الى حدّ قيام الصحافيين بمحاورة كبار الشخصيّات الفنيّة الراحلين بواسطة أجوبة لهم سبق وصرّحوا بها للمجلّات.
وحذّر فيّاض من الخطر الفنّي الأخلاقي الكبير الذي سيندلع عندما يبدأ البعض بفبركة أفلام غير أخلاقيّة أو إباحيّة لمشاهير راحلين، ما سيشكّل مشكلة كبيرة لن يتمكّن لا قانون ولا قضاء من ردعها.
وأكّد أن ظاهرة استنساخ الأصوات لن تؤثّر على نجوميّة فنّاني الصف الأول اليوم ولا على مردودهم المالي، فمعجبوهم يعرفون أصواتهم جيّداً ويستمتعون بالاستماع الى أصواتهم في أداء حيّ حيث أن وقفة الفنان على المسرح هي الفيصل.
ورأى فيّاض ان استخدام الذكاء الاصطناعي من أجل الاستماع الى أغنية ما بصوت فنّان آخر لن يشكّل أزمة اذ أن المستمع سيستمع اليها مرة واثنين او ثلاثة ومن ثمّ سيمل منها.
وفي سياق متّصل يكشف المستشار في الأمن السيبراني والتحول الرقمي رولان أبي نجم في حديث لـLebanonOn أن تطبيقات تزييف الصوت موجودة في أماكن عدة وهي سهلة الاستخدام، كما وان شركة مايكروسوفت قد طوّرت تطبيقاً يستطيع استنساخ أي صوت بمجرّد الاستماع اليه لمدّة 3 ثوان، ما جعل من تزييف أصوات الفنانين أمراً سهلاً.
وبما أن الذكاء الاصطناعي هو تقنيّة حديثة، يؤكّد أبي نجم أنّه لا تُصوّنه أي قوانين حتّى الآن، وبلا مادّة جرميّة ليس هناك أي جرم، الأمر الذي يجعل العديد من الأشخاص يطالبون بوضع قوانين جديدة من أجل الحدّ من الفوضى الحاصلة.
وبحسب أبي نجم فأن هذه التطبيقات خلقت مهنة جديدة للبعض وصفها بـ"مهنة السرقة"، حيث يقومون بتزييف الأصوات ومن ثمّ عرضها على منصّات كيوتيوب من أجل الحصول على مردود مالي.
باب جديد من أبواب التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يعبره العالم اليوم، غير متيقّن لما سيجده خلفه، ولكن بانتظار ان تتّضح الأمور، فلا تسجيلات ولا هولوغرامات ولا مقاطع فيديو مفبركة ستحلّ مكان الإنسان أو تُعيد موهبته الى الحياة، ومن الممكن أن يكون عباقرة عصرنا قد انشغلوا بتطوير الشكل والصوت والصورة، ونسوا الإحساس والمشاعر التي لا يمكن سوى لصاحبها الكائن البشري أن يشعر بها أو أن يُظهرها، وقد يستنسخون الأصوات بطريقة مثاليّة، الّا أنها ستبقى باردة وبعيدة كلّ البعد عن الإحساس.