مارون ناصيف
منذ عشرات السنين، ونحن نسمع نغمةً، تارةً سياسية وتارةً إعلامية عن فضيحة التعدي على الأملاك البحرية التي تملكها الدولة اللبنانية وعلى طول الساحل اللبناني من الشمال الى الجنوب.
منذ عشرات السنين والأصوات المطالبة بضرورة وضع الدولة يدها على هذا الملف وإستعادة حقوقها من المعتدين تزداد يوماً بعد يوم.
إستعادة هذه الأملاك تعني إزالة التعديات كلياً، وإزالة التعديات تعني هدم 1053 منشأة، بدءً من الخيمة أو الكيوسك، وصولاً الى المنتجعات السياحية الضخمة وخزّانات الشركات المستوردة للنفط وغيرها.
بمنطق الواقعية السياسية، من شبه المستحيل أن تستعيد الدولة راهناً أملاكها البحرية أولاً لأننا نعيش في لا دولة، وثانياً لأن من بنى هذه التعديات من العريضة في عكار وصولاً الى رأس الناقورة في الجنوب، هو إما موجود في السلطة وإما مدعوم من الاحزاب والتيارات الموجودة في السلطة، ولكن عدم إستعادة هذه الأملاك البحرية المعتدى عليها راهناً لا يعني أن الأمور يجب أن تترك للفوضى. فعندما يأتي وزير كوزير الأشغال والنقل في حكومة تصريف الأعمال علي حمية ويقترح على مجلس الوزراء زيادة رسوم وغرامات ما سمّاه مجلس النواب بالإشغال المؤقت لهذه الأملاك البحرية، وعندما يوافق مجلس الوزراء على ذلك، فهل يجوز أن نسمع أصواتاً وزارية وسياسية تجاهر برفضها لهذه الزيادة؟
هل يجوز أن يصل الأمر بوزير السياحة وليد نصار الى حدّ دعوة أصحاب المنتجعات السياحية بعدم الإلتزام بقرار مجلس الوزراء كل ذلك فقط لأنه غير مقتنع به؟
هل يجوز أن نسمع تصريحاً لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ينتقد فيه قرار مجلس الوزراء ويتهمه بفرض ضرائب على منطقة معينة وفئة محددة دون أخرى؟
هل يجوز أن يسوّق هؤلاء لمبدأ أن الزيادة على الرسوم والغرامات على تعديات الأملاك البحرية يجب أن تأتي بالتوازي مع زيادات على الرسوم والغرامات على المعتدين على الأملاك النهرية ؟ وكأنهم يريدون القول لا ترفعوا الرسوم على المعتدين من هذه الطائفة قبل أن ترفع أيضاً على المعتدين من الطوائف الاخرى؟ ومن قال لهم أيضاً إن المعتدين على الأملاك البحرية هم فقط من المسيحيين؟ وهل يعلمون أن من بين المخالفين الـ1053 هناك فقط حوالى 270 مخالفة سياحية؟ وهل يعلمون أن بين هؤلاء هناك معتدون مسلمون حتى لو كانت الأكثرية من المسيحيين؟
وإذا جاء وزير كعلي حمية وطرح مشروع الزيادة على رسوم وغرامات المعتدين على الأملاك البحرية، وحظي مشروعه بأكثرية وزارية وأقر، ألم يكن من الأفضل أن يشجعه الوزراء الآخرون وأن يطالبوا بفتح ملف الأملاك النهرية وغيرها من ملفات الفساد في المسماة دولة لبنانية بدلاً من إنتقاد مشروعه والتصويب عليه وتحريض المخالفين والمعتدين على عدم الإلتزام به الى حين إقرار مشروع آخر يكافح الفساد على قاعدة 6 و6 مكرر ؟ !
هل مكافحة الفساد باتت بحاجة أيضاً الى إعتماد القاعدة الـ6 و6 مكرر المقيتة؟
فعلاً هم لا يريدون لا مكافحة الفساد ولا من يحزنون.
مكافحة الفساد لا تكون على القطعة، على خصوم السياسة فقط قبل الحلفاء والمناصرين، وهذا ما يجب أن يقتنع به جميع معارضي مشروع زيادة الرسوم على المعتدين على الأملاك البحرية.