مارون ناصيف - LebanonOn
عندما تنحّى قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور عن ملف فساد النافعة ورسى الخيار على قاضي التحقيق زياد الدغيدي لتوليه ومتابعة تحقيقاته، شعر الكثيرون في قصر عدل بعبدا أن الدغيدي لن يتهاون مع الموقوفين وعلى رأسهم رئيسة هيئة إدارة السير هدى سلوم ولن يخضع للضغوط السياسية التي يمكن أن يتعرض لها ومن كل الإتجاهات.
"هذا الشعور لم يأت من لا شي" يقول المتابعون للملف "بل أولاً من إجراءات صارمة إتخذها الدغيدي في البداية كدعوة المحامية العامة الإستئنافية في جبل لبنان القاضية نازك الخطيب الى حضور جلسات التحقيق خلافاً لرأي وكلاء الدفاع عن الموقوفين، وثانياً من جوّ عام خلقه الدغيدي بنفسه عندما كان يردد في أحاديثه مع بعض القضاة مقولة، إن الموقوفين في ملف فساد النافعة وعلى رأسهم سلوم، لا يمكن أن يحالوا الى محكمة الجنايات إلا موقوفين نظراً لحجم الإرتكابات التي قاموا بها على صعيدي تقاضي الرشاوى والإثراء غير المشروع".
هذا الشعور الذي تولّد لدى الكثيرين، سرعان ما نسفه الدغيدي بنفسه أول من أمس عندما قرر إخلاء سبيل سلوم مع عدد من الموظفين المتورطين معها مقابل كفالات مالية تتراوح بين 200 و300 مليون ليرة فقط.
ولمن يريد أن يعرف أكثر فأكثر عن أسباب إنعطافة الدغيدي هذه، عليه أن يسأل عن الإتصالات السياسية التي تلقاها وعن هويات المتصلين.
نعم قرار الدغيدي جاء بعد سلسلة إتصالات قام بها مباشرة الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري، تجزم مصادر قانونية متابعة للملف أما السبب فيعود الى العلاقة الوطيدة التي تربط الحريري بالنائب السابق في كتلة المستقبل هادي حبيش الذي تربطه صلة قرابة بسلوم.
المعلومات التي حصل عليها موقعنا تفيد بأن تدخّل الحريري بعمل القضاء لم يقتصر على الدغيدي فقط بل حاول أيضاً، ومن دون نتيجة، جسّ نبض النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان لمعرفة قرارها مسبقاً وإذا كانت ستستأنف قرار الدغيدي في حال قرر إخلاء سبيل سلوم. وخير دليل على أن النيابة العامة الإستئنافية لم تتجاوب مع إتصالات الحريري هو إستئناف المدعي العام في جبل لبنان القاضية غادة عون قراره في اليوم التالي على صدوره.
الضغوط التي مارسها الحريري كان الهدف منها بحسب المتابعين إخلاء سبيل سلوم قبل الدخول بعطلة عيد الفصح لدى الطوائف التي تتبع التقويم الشرقي، لذلك إنتظرت النيابة العامة الإستئنافية حتى نهاية الدوام يوم الخميس لإصدار قرار الإستئناف وذلك تفادياً لإحالة الملف على الهيئة الإتهامية في اليوم ذاته وخوفاً من تصديق الهيئة الإتهامية قرار الدغيدي وتخلية سبيل سلوم علماً أن المعلومات السائدة في قصر العدل ترجّح أن تخلي الهيئة الإتهامية سبيلها، والسبب يعود الى مروجة الإتصالات التي قام بها الحريري والتي شملت أيضاً رئيس الهيئة الإتهامية القاضي ربيع الحسامي.
حتى وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري والمحسوب على التيار الوطني الحر، ترددت معلومات في قصر العدل أنه تواصل مع الحسامي والدغيدي بهدف إخلاء سبيل سلوم الأمر الذي نفاه خوري لاحقاً في بيان.
إذاً كما في كل ملفات الفساد، لا تُكتب للمجرم إلا النهايات السعيدة ما دمنا نعيش في بلد تشبه سلطاته ومؤسساته كل شيء إلا الدولة!