محمد عبدالرحمن-LebanonOn
مع تفاقم الازمة الاقتصادية، وتأثيراتها على الوضع المعيشي والاجتماعي، ودخولها في السنة الرابعة، باتت الازمة ترمي بانعكاساتها على جميع شرائح المجتمع اللبناني، واذ اتخذت منحى مختلفا في الآونة الاخيرة مع تزايد حالات الانتحار في البلد.
فالمعاناة في لبنان، وصعوبة الاوضاع الاقتصادية ترجمت بـ4 حالات انتحار لشباب في الاسبوع الاول من شهر آذار الجاري، اضافة الى ذلك تسجيل حالة انتحار لرجل في العقد الخامس من العمر، تاركين خلفهم رسائل مبكية عن سبب اتخاذهم قرار انهاء حياتهم، والمتعلق بشكل رئيسي بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة.
ومن اللافت أيضاً، تسجيل حالات الانتحار بين شباب لم يبلغوا سنّ العشرين، وأمام هذا الواقع المأزوم، هل الازمة الاقتصادية والمعيشية وحدها السبب في حالة الانتحار؟
أشارت الاخصائية في علم النفس كريستينا حموش في حديث لموقع LebanonOn الى أن "العامل الرئيسي الذي يدفع الشباب وخصوصاً من هم دون سن العشرين الى الانتحار هو مواقع التواصل الاجتماعي، وألعاب الفيديو التي باتت تنتشر بقوة بين متناول اليد، وهذا ما سهل نمو فكرة الانتحار؛ اضافة الى متابعة الحياة الافتراضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتأثر بها، والتي تكون غالباً غير حقيقية، هذا ما جعل ايضاً فكرة الانتحار لدى الشباب والمراهقين تتنامى بسبب عدم تقبل فكرة ما يتم مشاهدته عبر مواقع التواصل وعدم امكانية تطبيقه على الواقع فعلياً".
واضافت: "هذه الإزدواجية تؤدي الى تقلبات نفسية عند بعض الافراد تدفعهم احيانا الى الانتحار، علاوة على ذلك أن هذه من نتائج التربية الحديثة التي تكمن في الحرية الكاملة للافراد، حيث بات كل شيء متاحا أمامهم من دون التفكير بأي رادع، او الخوف من أي شيء".
وتابعت: "ومن العوامل التي تدفع بالشباب الى الانتحار، هو التنمر الذي يمارس على الطفل في صغره لا سيّما في مدرسته، ومحاولة تغيير ما به عندما يكبر بسبب عدم تقبله لنفسه وذلك تأثيراً بالتنمر عليه، وإن لم يستطع تحقيق ذلك، سيلجأ للانتحار".
ولفتت الى أن "الوضع النفسي السيء للأهل، وارتفاع نسبة العنف الأسري، وحالات الطلاق بسبب الوضع الاقتصادي، إضافة الى فقدان الكثير من المعيلين لوظائفهم، وعدم توافر فرص العمل، كلها عوامل خلقت تشتتا في الأسر، وتسببت في أزمات نفسية لدى الشباب"، مشيرة الى أن "جميع هذه العناصر، تلعب دوراً ايجابيا في دفع الافراد لاتخاذ قرار الانتحار".
وهنا شددت حموش على "ضرورة التواصل الدائم والفعّال بين الاهل وأولادهم حتى الشباب منهم، والاطلاع على طبيعة أوضاعهم المعيشية والنفسية". كما نصحت الاهالي الذين يلحظون أي تغيّر أو تبدّل في الحالات النفسية عند أولادهم، اللجوء فوراً لاستشارة طبيب او معالج نفسي.
من جانبه، رأى المعالج التكاملي رامي الرحباني في حديثه لموقع LebanonOn أن "ازدياد حالات الانتحار في لبنان لعدة أسباب ومنها الشعور بالعجز، أي ان بعض الاشخاص تشعر بالعجز أمام عدم قدرة تأمين المتطلبات المعيشية لعائلاتهم وهذا ما يدفعهم للهروب من الواقع عبر الانتحار، وهذه من أغلب حالات الانتحار في الفترة الاخيرة في لبنان".
وأضاف الرحباني أن "السبب الثاني هو الخلل في الصورة الذاتية عند الشخص، وتتجسد هذه الصورة في أن الشخص يشعر بوجوده من خلال العنصر المادي، وعند عدم توفر هذا العنصر أو فقدانه بسبب الاوضاع المعيشية، فيلجأ هنا الفرد للانتحار عند ازدواجية الخلل في الصورة الذاتية عنده، وهذه الحالة التي تتمثل عند الشباب غالباً ربما حتى لو لم يكونوا مسؤولين عن عائلتهم".
وإعتبر الرحباني أن العنصر المادي هو عنصر مكون للانسان، ومع ذلك نصح الاشخاص بأن لا يسمحوا أن يؤثر هذا العنصر على شخصيتهم، وحصر تفكيرهم فقط به، فهناك العديد من العناصر ومنها وجود الاهل والاصدقاء، وممارسة الهوايات وتعبئة أوقات الفراغ بالأمور الايجابية والمفيدة.وأردف: "من احد العوامل أيضا وسائل الاعلام وما تقوم به من خلال نشرها للاخبار العاجلة السلبية، من دون تقديرها للاشخاص الذين يتأثرون بشدة بهذا النوع من الاخبار"، طالبا إيّاها بنشر أخبار ايجابية بين الكم الكبير من الأخبار السلبية، وطالب الاشخاص الابتعاد قدر الامكان عن الاخبار وعدم متابعتها في حال شعر بالتعب والضغط من خلال الأخبار التي تنشر.
وفي المحصّلة، من خلال المداخلتين مع اصحاب الاختصاص، أصبح نشر الوعي وثقافة المعالجة النفسية بين أفراد المجتمع لجميع الفئات العمرية حاجة ملحة في هذه الظروف، والتشديد في التوعية على مخاطر اهمال الصحة النفسية وعدم الاكتراث للشائعات والعادات عن طبيعة العلاج النفسي الذي اصبح حاجة ملحة لغالبية الافراد في ظل تنامي ظاهرة الانتحار.