ميسا جبولي
"ظروف البلد كسرت حلمنا"... بهذه الكلمات اختصرت السيدة سمر (اسم مستعار) ألمها بعد تخليها عن جنينها بسبب الظروف الاقتصادية.
فالمثل السائد لدى اللبنانيين "جيبو وبتجي رزقتو معو" لم يعد وارداً، وحلم المواطن اللبناني لا سيما "ابن الضيعة" بأن يبني عائلة كبيرة تحطم.
تروي السيدة سمر لموقع "LebanonOn" بدموع الحسرة عن حلم قضت عليه ظروف البلد، وتقول: "كان زوجي يحلم بأن تكون عائلتنا كبيرة كما تربى في عائلة من 6 أفراد، إلا أن ظروف البلد لم تساعدنا، فقررنا أن نكتفي بطفلتين، إلا أن مشيئة الله كانت أكبر".
وتابعت بغصة: "منذ شهرين تقريباً علمت بأنني حامل، وعندما أخبرت زوجي، غصت عيونه بالدموع أيضاً لأنه كان يرغب بأن ينجب ولو حتى طفلا آخر أو أن يرزق بصبي يحمل اسم والده، لا أدرك اذا فرح بخبر حملي، أم حزن إلا أنه غادر المنزل من دون أي جواب، ليعود في اليوم التالي محاولا مناقشتي إذا كنا فعلا نستطيع أن ننجب طفلاً جديداً".
وأضافت: "كيف؟ كيف سننجب طفلاً ومجمع حليب الأطفال بحدود ال900 ألف ليرة لبنانية والحفاضات بحدود ال700 ألف ليرة لبنانية، وقد نكون بحاجة لأكثر من مجمعي حليب أسبوعياً، الأدوية مفقودة واذا وجدت بأسعار باهظة، كيف سأنجب طفلاً وأنا حتى الساعة لم أسدد قسط مدرسة طفلتي؟ كيف أنجب طفلا وأنا أدرك أنه اذا مرض ليس بإمكاني أن أدخله إلى المشفى، أو حتى لا يمكنني أن أجلب له الدواء؟"
وأكملت: "قررنا الاجهاض، فرغم قساوة هذا القرار، إلا أنني وجدت أنه قد يبدو أخف ثقلاً من أن أنجب طفلاًَ ولست قادرة على أن أؤمن له عيشاً كريما، خاتمة:" سامحني يا رب".
لا أدرك كم الحزن الذي كانت تخبئه هذه السيدة تحت كلماتها المترنحة، إنما ما أدركه أن قرارها ليس سهلاً، ولست بوارد أن اناقشها بالمزيد من الأسباب، فالصورة كانت وحدها تنقل حجم الحزن.
فبعد تردي الأوضاع الاقتصادية في لبنان منذ أكثر من 3 سنوات، تراجعت معدّلات الزواج بين 2018 و2022 بنسبة 18% ما أدّى أيضا إلى تراجع طفيف في معدّلات الطلاق، وكل ذلك أدّى إلى تراجع كبير في الولادات وصل إلى نحو 32%، وذلك بحسب الدولية للمعلومات.
وفي هذا السياق، أشارت الدكتورة في علم الاجتماع التربوي مي مارون في حديث مع موقع "LebanonOn" إلى أن "انخفاض الولادات في بلد معين هو دليل وعي وليس دليل جهل".
وقالت: "في البلدان الأكثر فقرا كما في مصر، هناك زيادة هائلة في عدد السكان حيث يتراوح عدد أفراد الأسرة الواحدة 11 فرداً وهذا ليس دليل خير انما يزيد من الفقر والجهل".
وتابعت: "أما في لبنان، انخفاض نسبة الولادات دليل على وعي اللبنانيين وتداركهم لهذه الظروف الصعبة، فكيف يمكن للبناني اليوم أن ينجب ولداً وأسعار الحليب والحفاضات خيالية وكيف يمكنهم أن يؤمنوا لهم مستقبلا ناجحا في ظل هذه الأزمة الخانقة؟"
وأضافت: "منذ أن بدأت الأزمة في لبنان، وأصبح اللبنانيون يفكرون جيدا بعدد الأطفال الممكن انجابهم وتأمين عيش كريم لهم، وهذا دليل خير على التطور والحضارة التي بدأ يبحث عنها اللبنانيون".
ومن أسباب انخفاض نسبة الزواج والولادات، تطرقت مارون أيضاً إلى غياب بنك الإسكان الذي لعب دوراً هاماً في انخفاض نسبة الزواج والولادات.
وذكرت مارون في حديثها، أنه في السابق، كانت النظرة للولد تختلف عن الآن، فسابقاً كان الولد نوعا من الاستثمار، حيث كانوا ينجبون الأطفال لزيادة اليد العاملة، أما اليوم التفكير تغير، والاستثمار بالأطفال لم يعد وارداً انما العائلات أصبحت تبحث عن علم ومستقبل أولادها، وهذا ما يبشر بالخير في بناء أجيال مثقفة.
ونوهت مارون بأن انخفاض نسبة الولادات قد يختلف من مجتمع لآخر، فالبعض لا يهمه أن يبني مستقبلاً ناجحاً لأطفاله فليس لديه مشكلة أن ينجب أطفالا ويجعلهم متسولين في الشوارع، وهذا ما يحصل مع العائلات السورية في لبنان، فرغم نزوحهم، وما يواجهونه من ظروف صعبة، إلا أن نسبة الولادات عند السوريين مرتفعة".
وعن التغير الديمغرافي في لبنان، قالت مارون إنه أصبح واضحاً، فإذا استمر التغير على حاله قد لا يؤثر كثيراً في المستقبل.
ومع تردي الأوضاع الاقتصادية، أصبح اللبنانيون يحلمون بالزواج والعائلة، وأصبح حلم المتزوجين بالانجاب "مؤجل حتى إشعار آخر"!