مارون ناصيف
صحيح أن إدارات المصارف منزعجة من مطالبة المدعي العام الإستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون مراراً وتكراراً برفع السرية المصرفية عن أشخاص تلاحقهم قضائياً بجرائم الإثراء غير المشروع وتبييض الأموال، وصحيح أيضاً أن هذه الإدارات منزعجة جداً من التحقيقات الأوروبية بتبييض الأموال وإختلاسها من قبل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه ومعاونيه والتي إستضاف قصر العدل في بيروت جولتها الأولى في كانون الثاني الفائت ومن المتوقع أن نشهد جولتها الثانية في شباط الجاري، ولكن ليس صحيحاً أن هذين السببين دفعا جمعية المصارف الى إعلان الإضراب العام. فالمصادر المصرفية تفيد بأن أكثر ما أزعج إدارات المصارف ودفع الجمعية بإتجاه إعلان الإضراب العام هو القرار الذي صدر عن محكمة التمييز - الغرفة الثانية برئاسة القاضية مادي مطران والقاضي بالحجز على موجودات مصرف فرنسبنك ضماناً لتحصيل ودائع عدد من المودعين المدعّين وبالعملة الأجنبية أي الدولار. بسبب هذا القرار صدر القرار بالإضراب وطالبت جمعية المصارف ببيانها "بالعودة عن القرارات القضائية" وكان المقصود حصراً قرار القاضية مطران لا غيره، وهنا تفيد المعلومات بأن جمعية المصارف ومن خلال تضامنها مع فرنسبنك، أرادت أن تدافع عن نفسها بهجوم إستباقي تمارس من خلاله ضغطاً على السلطة القضائية وتجعلها تصرف النظر عن إصدار قرارات مماثلة لقرار القاضية مطران. وفي هذا السياق تقول مصادر قانونية متابعة للملف، إن جمعية المصارف تعرف تماماً أن العودة عن قرار كهذا مصدره محكمة التمييز هو أمر غير وارد على الإطلاق لا بل مستحيل قضائياً، كما أنه لا يقبل أي طريقة من طرق المراجعة أو الطعن به كونه لم يصدر عن إحدى محاكم البداية أو الإستئناف بل عن غرفة من غرف محاكم التمييز، لذلك كل ما تريده الجمعية من هذا الإضراب ومن بيانها الأخير هو الحصول على وعد من السلطة القضائية بعدم صدور قرارات مماثلة لقرار القاضية مطران، وفي أحسن أحوال على وعد بعدم تنفيذ القرار المذكور من قبل دائرة التنفيذ.
إذاً جمعية المصارف تلعب البلياردو، وهذا ما عبّر عنه وفدها بالأمس خلال لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. هي تصوّب على قرار القاضية مطران بحق فرنسبنك وتطالب بالعودة عنه، على رغم علمها المسبق بأنه مبرم ونهائي ولا يمكن العودة عنه، والهدف من هذا التصويب هو عدم تكراره من قبل قضاة آخرين لا سيما في غرف التمييز لأن القرار الصادر عن محاكم البداية يمكن إستئنافه أمام محاكم الإستئناف ولأن القرار الصادر عن محكمة الإستئناف يمكن تمييزه أمام محاكم التمييز، ولكن عندما يصدر القرار عن محكمة تمييزية يكون القرار نهائياً ويجب أن يسلك طريقه الى التنفيذ من قبل الجهة التي خسرته لصالح الجهة التي فازت به.