مارون ناصيف
كما تعطلت تحقيقات المحقق العدلي في جريمة إنفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار برقم قياسي من دعاوى الرد والمخاصمة والنقل التي قدمها وكلاء الوزراء والمدراء العامون المدعى عليهم بالملف، هناك من يريد أن يعطل تحقيقات فساد النافعة التي فتحتها المحامية العامة الإستئنافية في جبل لبنان القاضية نازك الخطيب وأيضاً ودائماً بهدف حماية المجرمين والمرتكبين.
ففي تطور خطير تقدم فريق الدفاع (مؤلف من المحامي مروان ضاهر والوزير السابق المحامي رشيد درباس) عن رئيسة هيئة إدارة السير هدى سلوم الموقوفة لدى شعبة المعلومات، بدعوى رد القاضية الخطيب عن كل ملف النافعة أمام محكمة الإستئناف المدنية في جبل لبنان، وفي اليوم ذاته بدعوى مخاصمة الدولة اللبنانية عن أفعال إرتكبتها الخطيب أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز.
تخيلوا أن ملفاً كهذا تخطى عدد الموقوفين فيه الستين بين مدير وموظف ومعقب معاملات وبجرائم التزوير وإستعمال المزور وتقاضي الرشاوى والإثراء غير المشروع، وتخيلوا أيضاً أن التحقيقات لا تزال قائمة به ومن المتوقع أن يصل عدد الموقوفين الى أكثر من مئة، وهناك في العدلية من من لا يزال يلجأ الى كل الأساليب القانونية المتاحة لتعطيل التحقيق وضرب مفهوم العدالة ومحاسبة المجرمين.
ولمن لا يعرف بعد عن ملف النافعة، فإن المليارات التي كانت تدفع كرشاوى لإنجاز معاملات المواطنين، ليست من المال العام أي من الرسوم التي يدفعها المواطن للدولة مقابل خدمة الحصول على إنجاز معاملاته، بل صرفت حصراً من جيوب المواطنين أنفسهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تسجيل السيارة الذي كان يكلف المواطن حوالى مليون ليرة من الرسوم والطوابع وصلت كلفته بسبب الرشاوى التي كانت تفرض كخوّات من المدراء ورؤساء المصالح ومعقبي المعاملات والموظفين الفاسدين الى أكثر من 5 ملايين ليرة وفهمكم كفاية.
تخيلوا أن الموظف الذي يعمل برتبة محرر وبراتب قد لا يصل الى 3 ملايين ليرة، كان يتقاضى يومياً حوالى 20 مليون ليرة من الرشاوى وأحياناً كانت تصل حصيلته منها الى 30 مليون ليرة.
وتخيلوا أيضاً أن مديراً من مدراء النافعة عثرت شعبة المعلومات في منزله على ليرات وأونصات وسبائك ذهبية بقيمة مئات الآلاف من الدولارات بينما راتبه الوظيفي لم يكن يصل الى 5 ملايين ليرة شهرياً.
حقاً تخيلوا أن هناك تحقيقاً مفتوحاً لدى شعبة المعلومات، عن أشخاص لا يرون بعيونهم حصلوا على دفاتر سواقة من النافعة وعلى شهادات طبية من أطباء، كل ذلك بسبب الفساد المستشري في هيئة إدارة السير ومصلحة تسجيل السيارات، وفي كل المراكز لا فقط في مركزي الأوزاعي والدكوانه.
أمام هذا الواقع يبقى الرهان على ضمائر القضاة المخوّلين البت بدعاوى الرد والمخاصمة والنقل، هذا إذا كان هناك من لا يزال يؤمن بمكافحة الفساد وبدولة المؤسسات لا بدويلة الفساد المسمّاة نافعة