تيريزا فخري - خاص موقع LebanoOn
حرب الاقتصاد، أكبر ضحاياها اليوم، بلدنا لبنان. كان اللبنانيون يعتقدون ان لبنان وحيداً في أزمته، وان البعض في الخارج يشمت به بسبب تدهور أوضاعه، ولكن هناك العديد من المؤشّرات التي تنذر بأزمة اقتصاديّة كونيّة، قد تكون أسوأ من أزمة 1929، فماذا عن هذه الأزمة، وماذا عن تأثيراتها على لبنان ان حصلت؟
يشرح المحلل الاقتصادي الدكتور محمد ابو الحسن في حديث مع موقع LebanonOn عن المؤشرّات العالميّة لمؤسّسات المال الضخمة التي باتت تنبّه بأزمة مالية كبيرة ستكون اسوأ من ازمة 1929، في حين ان بعض الدول مصرّة على نفي هذا الواقع، وهي تهرع للتأكيد ان الانهيار الاقتصادي العالمي لن يحصل، ولكن الواقع الذي نعيشه اليوم، هو بحدّ ذاته مؤشّر يؤكّد على تلك الازمة. وهناك مؤشّر ثان نراه من خلال الازمة في مجال خطّ الانتاج العالمي، حيث يسيطر الشحّ بالمواد الأولية والشحّ بالمنتجات. الازمة التي تسبّبت بها كورونا هي ايضاً مؤشّر، بعدما اعتبرها البعض مؤامرة، فهي خلقت أزمة تصدير للمواد الاولية بين البلدان. كما ان التوتر السياسي الذي تشهده اوروبا ترافقاً مع حرب اوكرانيا وروسيا مؤشر أيضا.
ويحلّل ابو الحسن الشرخ الذي يزيد اليوم، حيث انه يضرب مجالات الانتاج: الأزمة "الورمانة" والتي هي حدث الساعة اليوم هي انهيار عملة اليورو وانهيار الباوند امام الدولار، هذه الانهيارات في الأسواق الماليّة بالاضافة الى التضخّم الذي تعاني منه الولايات المتّحدة، مع رفع الفائدة على استثماراتها المالية الكبيرة، تشير الى ان الكوكب بأكمله في حالة اضطراب، لم يشهدها العالم والأسواق منذ فترة طويلة جدّاً.
فالدول الاوروبية تدعو اليوم الى الاستحمام الجماعي من اجل التخفيف من استيراد الطاقة، والتدفئة والنقل والمحروقات. كما ان الأزمات الاقتصادية موزّعة على العديد من البلدان كسيريلنكا و الهند وتايوان وكوريا الجنوبية، والجميع يعاني من مشاكل، اضافةً الى غليان في الشرق الأوسط، وحالات التوتّر داخل العديد من الدول. هذه المؤشّرات تكشف عن أزمة ضخمة في الأفق، وشرخ سياسي على مشارفه بين الدول العظمى.
ورأى ابو الجسن ايضاً اننا على مشارف مجاعة كونيّة، ستؤدي الى حروب كبيرة، ما يعني اعادة توزيع للسلطة، وهي مرحلة ترعب البعض، وهم يحاولون عدم الوصول اليها.
لم تعد الحروب في الكون تنتظر الانفجار الكبير
ما يجري في اوروبا يقول ابو الحسن، هو حرب منفجرة من دون الاعلان عنها، ونحن اليوم في خضمّها.
بحسب ابو الحسن، فان قواعد الحرب تغيّرت في زمننا هذا، الحروب أصبحت اقتصادية، والأساليب تبدّلت، ويمكننا رؤية ذلك من خلال المشهد اللبناني، حيث الاقتصاد مشلول تماماً، مع ازمة المستشفيات والمدارس والكهرباء، والتباين في الطبقات الاجتماعية، ومع الفلتان الامني، والقطاع العام الذي لا يقوم بدور والصعوبة لدى اللبنانيين بنيل التأشيرات من اجل السفر، فما يفتقده المشهد، هو صوت القذيفة فقط لاعلان حالة الحرب. البنك الدولي يصف حالة التضخّم الواقع فيها لبنان بـ "such a contraction that is usually associated with a war or conflicts" اي بانكماش يرتبط عادةً بحرب أو صراعات، فعندما ينخفض الناتج القومي من 55 مليار دولار الى20 مليار دولار، و يتدهور الاقتصاد الى هذا الحدّ، فهذا يعني اننا في حالة حرب.
نحن نعيش الحرب من دون ان نعلم
الجميع يجهل اليوم قدرة لبنان على الاستمرار في ظل الازمة، يشرح ابو الحسن: اي خبير مالي يمكنه، على الورقة والقلم ان يظهر ان مصارف لبنان مفلسة، وانه على الدولة اعلان افلاسها. كما عجزت جميع الدراسات عن تفسير وضعنا الاقتصادي، بحيث انه كان هناك بعض النظريات التي تشير الى ان المصارف هي التي ما زالت تكمش الوضع الاقتصادي في لبنان، ولكنّها اقفلت لمدة 15 يوما ولم يتأثّر سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
يتابع:"الموضوع في لبنان هو سياسي بحت، واستمراريته الوضع القائم من عدمها لا تعتمد على دولة واحدة، بل على التجاذبات الاقليمية والدوليّة، وكل بلد لديه مجال تأثير في لبنان، ويستطيع تعويمه في ظلّ كل ما يجري في الكون. والدليل على ذلك هو ازمة 2008 الاقتصادية، حين انهار اقتصاد اميركا، وكان لبنان عندها يقوم باستقطاب الودائع، حيث هرّب الأجانب اموالهم الى لبنان، وكان اقتصادنا يزدهر والاقتصاد حول العالم ينهار".
في هذا المثال بالذات، لا يمكننا ربط لبنان بالاقتصاد العالمي، وضعيّة لبنان مرهونة بالتسويات السياسية الاقليمية والعالميّة، ونحن في مركز تجاذبات، كما ان قوّة لبنان، بضعفه، ومن خلال تواصله مع عدّة بلدان، يمكنه ان "يزمط" من الازمات والتأقلم وتجاوز الصعوبات يؤكد ابو الحسن.
لذلك حالة لبنان، غير مرتبطة بحالة الكون، فهل يتكرّر مشهد 2008، وتعمّ الفوضى في العالم، فيكون لبنان المستفيد بين كلّ الشامتين به بين الدول؟