مارون يمّين - خاص موقع LebanonOn
تتزايد رحلات الهجرة غير الشرعية من لبنان الى دول حوض المتوسّط وكأنّها عمليات غزو غير معلنة نحو دوامة اختارها اللبنانيون هربا من جحيم أقحمهم فيه المسؤولون على مدار 3 سنوات من الأزمة.
عشرات الضحايا والمفقودين، الحصيلة الأخيرة لغرق قارب هجرة قرب جزيرة أرواد، قبالة شاطئ طرطوس السوري، والذي كان قد إنطلق من شمال لبنان الى إيطاليا. لم يتمّكن هذا القارب المشؤوم من مجابهة عصف الأمواج التي إبتلعته في دقائق قليلة، فعامت جثث الأطفال والنساء والرجال منذ اسبوع تقريبا ولا تزال فرق البحث تبحث عن الكثير منها حتى الآن.
نجا عشرون شخصا بحسب الارقام الرسمية المعلنة، وما صرّح به الناجون لوسائل الإعلام كان كفيلا ليتخيّل كل واحد منّا هول ما حصل.
قد تكون هذه الرحلة التي توقفت في طرطوس، وقبلها حادثة عبّارة الموت قبالة شاطئ طرابلس في نيسان الفائت، أشهر حادثتين في لبنان عن مراكب الهجرة غير الشرعية التي باتت تخرج يوميا من دون اي رادع، إلّا أنّ العشرات من اللبنانيين قد لقيوا حتفهم في الأشهر الماضية قبالة السواحل القبرصية واليونانية والتركية.
فهل كان أحد يعتقد أنّ تتحوّل هذه الجزر الجميلة الى مقبرة للبنانيين؟
يعيدنا هذا المشهد الى ذاكرة التاريخ، وتحديدا الى شمال منطقة القوقاز في العام 1864 حيث كان يتوسّع الإستيطان الروسي حينها من دون اي رحمة، وأصبحت شعوب المنطقة الجبلية القوقازية تحت السيطرة الروسية. خُيّر عندها الشركس بين الإستيطان في سهول كوبان وبين الهجرة لتجنّب إعتبارهم أسرى حرب، فخيّم الرعب والاضطراب وإزدادت أعداد المهاجرين في السفن المستعملة للهجرة عن الاستيعاب الطبيعي، ناهيك عن نقص الشرب وإنتشار الأمراض المعدية.
عشرات الآلاف من الشركس قضوا غرقا في البحر، بخاصة أنّ غالبيتهم إستعملوا سفن شواطئ خفيفة غير صالحة للإبحار في عرض البحر. ومن اصل نصف مليون مهاجر شركسي، وصل 380 ألفا فقط الى الشواطئ التركية عند البحر الأسود.
المحزن فيما سردناه أعلاه أن الشركس الذين نجوا من الغرق والمرض إمتنعوا لقرن من الزمن عن تناول السمك لأنهم لا يريدون الأكل من السمك الذي افترس جثث أهلهم التي ابتلعها البحر بعد موت أصحابهأ.
أمّا اليوم، تلتهم أسماك البحر الأبيض المتوسّط جثث اللبنانيين ومعهم الفلسطينيين والسوريين الهاربين من وطأة الأزمة في هذه البلدان المحكومة باليأس.
كيف نأكل إذا بعد الآن السمك على موائدنا؟ مَن يمكنه أن يؤكّد لنا أنّ هذه السمكة أو تلك لم تكن تتغذّى على جثث اهلنا وأطفالنا؟ كيف نأمَن لأكل السمك الذي بات الكثير منه أكلة لحوم بشرية؟ هل سألتم يوما هذه الاسئلة؟ وإن سألتم لن يجيبكم أحد لعلّنا نعلن صوم الـ100 عام عن أكل السمك، رحمة بمن رحل ورأفة بأهلهم.