تيريزا فخري - خاصّ موقع LebanonOn
يتقلّص احتياطي مصرف لبنان يوماً بعد يوم، وتزداد مآسي اللبنانيين يوماً بعد يوم، في ظلّ دولرة شبه تامّة، ومع رفع ما تبقّى من الدعم، ما يطرح تساؤلات حول مصير البلد بعد نفاد ما تبقّى من احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية، والسيناريو المرعب الذي ينتظرنا، والذي يضعنا أمام مزيد من الانهيار.
معلومات الخبير المالي والاقتصادي بيار الخوري تشير الى ان "احتياطي مصرف لبنان يبلغ الآن حوالي 8 مليار دولار اميركي، وهو مستوى جداً متدنّ، بخاصّةً مع غياب موارد عملات اجنبية من الخارج، ومع السياسات والتعاميم التي تطبّق منذ عام وحتى يومنا هذا، والتي هي سياسات اعادة الاستحواذ على الدولارات المتوفّرة في سوق لبنان المحلّي، وجزء منها مصدره التحويلات الخارجية الى لبنان وهو مصدر غير منتج بل هو دعم اجتماعي، وجزء آخر مصدره الاموال السياسية اي اموال الأحزاب والسياسيين". ويقول: " الجزء الاساسي والمرتبط بالتجارة الخارجية والاستثمار هو جزء مفقود، ولذلك نحن الآن متخوّفون من تدني مستوى احتياطي مصرف لبنان".
في حديث مع موقع LebanonOn شرح الخوري ان مستوى الاحتياطي يلعب دوراً فاعلاً في السياسة النقدية من اجل حفظ مقتضى التضخّم في البلد، فمن الممكن ان تضطر الدولة الى تخفيض مستوى الاحتياطي وذلك من خلال ضخّ الدولارات في السوق، وذلك من أجل الحفاظ على مؤشرات اقتصادية.
وقال: "طالمشكلة الأساسية في تدني الاحتياطي هي غياب المال التجاري، وبغياب سياسة نقدية مناسبة، حيث ان السياسات النقدية محصورة بتعاميم كالتعاميم 151 - 152 - 161، وهي تعاميم صدرت من اجل اعادة امتصاص الجزء القليل المتبقي من السيولة في البلد. وهذه الأطر تبدو للوهلة الاولى وكأنّها تخفّض سعر صرف الدولار ولكنّها في المدى البعيد لها آثار كارثية على سعر الصرف. والمصرف المركزي يلعب اليوم دور صراف كبير في البلد".
وأردف: "انخفاض الاحتياطي سيؤدي الى خفض التمويل على الموارد الأساسية، كموارد الطاقة، والموارد الغذائية خاصة الطحين والقمح. ويمكننا ملاحظة ذلك من خلال الخفض التدريجي للدعم من قبل مصرف لبنان اسبوع بعد اسبوع".
وتوقّع خوري ان نشهد "هجمة" على الخبز في حال زاد مستوى الانخفاض في احتياطي مصرف لبنان. وكلّما زاد مستوى الانخفاض في الاحتياطي سينخفض معه الدعم المتبقّي وسنتوجّه عندها الى الأسواق الحرّة. وخاصّةً مع المشاكل التي تواجهها الدولة من أجل رفع الدولار الجمركي، الذي في حال تمّ رفعه سيحلّ العديد من المشاكل العالقة، لأنه يعيد تمويل الدولة ويوازن السيولة في البلد، وعندها مصرف لبنان لن يكون بحاجة الى طبع العملة بحجم كبير، ولكن في المقابل وبسبب الوضع المتأزّم، فان رفع الدولار الجمركي سيؤدي الى مشاكل اقتصادية واجتماعية وتجارية، وقد يهدّد مصالح كبيرة في بلد غير منتج.
وكشف خوري انه وفي حال تمّ رفع الدعم كلياً قد نستفيد من أمر وهو وقف التهريب عبر المعابر غير الشرعية، وبالوقت نفسه سيؤدي هذا الامر الى كارثة اجتماعية، فكل شيء في لبنان أصبح يملك وجهين، ومصائب قوم قد تكون عند قوم فوائد.
ورأى خوري انّه في حال وصلنا الى سيناريو نفاد الاحتياطي من مصرف لبنان، سنكون عندها أمام سيناريو عام 1985، ومافيات المال ستتحكّم عندها بسعر الصرف، وسيصبح من النادر الحصول على العملة الخضراء، فعادةً مصرف لبنان هو الذي يؤمن الدولارات المطلوبة للسوق، وعندما يزيد التوتّر في الأسواق سيزداد معه الطلب على الدولار.
ولكن الكارثة الكبرى والأخطر برأي خوري، هي اثر نفاد الاحتياطي على عملية استيراد المواد الاستراتيجيّة والتي هي ضرورية للأمن الغذائي ولأمن الطاقة، وذلك أكثر من الخوف على سعر الصرف، فهو "منهار منهار".
وبعد نفاد الاحتياطي، الصرافون الكبار سيتحكّمون بسعر الصرف، وسنشهد تقلّبات مخيفة فيه، اي من الممكن ان يشهد الدولار ارتفاعاً بقيمة 50 ألف ليرة في يوم واحد، ومن ثمّ انخفاض بقيمة 20 ألف ليرة. وعندما يفقد البنك المركزي احتياطاته، سينقلب المشهد الى صورة شنيعة داخل البلد. والحلول الجزئية تنفع بعدها.
يتعاطى الحكّام مع انهيار البلد الاقتصادي وكأنّهم من الجمهور، يتفرّجون من بعيد وينتظرون أن يرسل الله لهم الاصلاحات من السماء، او ان تنبت الدولارات على الأشجار اللبنانية، كي يتمكّنوا عندها من العودة الى قيلولتهم التي لم يخرجوا منها أساساً من أجل انقاذ البلد.