جاء في الأخبار:
لم يكمل المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان، كمال حايك، دوامه في مكتبه أمس. بعد الظهر، قطعت القوى الأمنية حركة السير على الطريق الواقعة بين المؤسسة والمرفأ بعد ورود معلومات عن احتمال انهيار وشيك لمبنى أهراءات القمح. تلقّف حايك مع موظفي المؤسسة التحذيرات بضرورة مغادرة المكاتب. جمعوا أغراضهم وتهجّروا للمرة الثانية في الذكرى الثانية لانفجار المرفأ. هذه المرة باتجاه وزارة الطاقة والمياه إلى أجل غير مسمى.
«زمطنا أول مرة. يمكن ما نزمط تاني مرة» يقول حايك لـ»الأخبار» في مكتبه المؤقت الجديد. يشير إلى فريق عمله الذي نجا مثله بأعجوبة من انفجار المرفأ، مستعيداً ما حصل قبل عامين تماماً. «كنت أظن أنني صلب وتخطّيت ما جرى. لكن الدخان الأبيض الذي انبعث من الأهراءات منذ أيام، كان كفيلاً بإعادتي الى الصفر». في ذلك اليوم، تأخّر حايك وفريق عمله في مكاتبهم الواقعة في الطبقة الـ 13. دوّى الانفجار الأول، وسمعت أصوات المفرقعات. طلب حايك من موظفيه الابتعاد عن الواجهة المقابلة للمرفأ ظنّاً منه بأن الانفجار التالي سوف يحطّم زجاج النوافذ فقط. ما هي إلا ثوان حتى «شعرت بدويّ صوت قوي من داخلي وبرياح تعصف من كلّ جانب قبل أن أفقد الوعي». أصيب حايك بكسور وجروح في أنحاء جسده ونزف داخلي، وكان آخر من استعاد وعيه. ظنّ الجرحى بأنه قضى بعدما علق جسده تحت الردم وسال الدم من فمه. «لم أمت بسبب الحظ. فرقت على ميلّمتر عن خسارة عيني اليسرى أو قدمي». بجانب جثة مساعدته الإعلامية ماري طوق، انتظر حايك طوال أربع ساعات حتى تمكن المسعفون من الوصول الى الطبقة الأخيرة بعد توقف المصاعد وانهيار المحتويات في الممرات.
3 ضحايا و17 جريحاً
فقدت المؤسسة ثلاثة موظفين وأصيب 17 بجروح، وفقدت أيضاً هيكلها وأجبرت على النزوح الى مكاتب بديلة من الغرف الجاهزة. «للمصادفة، وضعت الغرف في واجهة أقرب الى المرفأ من المبنى نفسه. وبخلاف الجيران الذين غادروا الحي هرباً من انفجار جديد، بادرنا نحن إلى الاقتراب من الخطر المحتمل، ولا سيما أن الأرضية التي تقوم عليها الغرف الجاهزة ليست ثابتة، ما ينذر بوقوع إصابات أكبر في حال انهيار أهراءات القمح». مع ذلك، تلك الغرف جعلت حايك يدرك «التضحيات التي يقدّمها الموظفون في ظروف عمل صعبة من البرد شتاءً والحرّ صيفاً وضجيج السيارات المارّة على الأوتوستراد المحاذي. في هذه الظروف، أنجزنا ملف اتفاقية الغاز المصري ومشروع البنك الدولي للكهرباء».
فما هو مصير الترميم؟ «أنجزت المؤسسة دراسات ودفاتر الشروط لإطلاق مناقصة لترميم المبنى وتطويره. لكننا ننتظر تأمين الـ»فريش دولار»، وللغاية، طلبنا من الصندوق العربي تمويل الترميم».
أبرز ما يحتاج إلى الترميم غرفة التحكم المركزية الواقعة في الطبقة التاسعة التي تعطّلت بالكامل. كانت الشاشات تسمح للعاملين برصد حركة الكهرباء في جميع المناطق بنقل مباشر، من إنتاج المعامل إلى مدّ الشبكات، وصولاً إلى التوزيع والتقنين. الغرفة التي دُشنّت عام 2012، استُبدلت بساعة قياس بدائية في محطة الجمهور، علماً بأن تعطل غرفة التحكم تسبّب بتزايد انقطاع الكهرباء المفاجئ بنسبة 50 في المئة.
الانفجار ضرب أيضاً محطة الأشرفية التي دُشنّت عام 2017 لتزويد أحياء مار مخايل والجميزة بالكهرباء. المؤسسة بحسب حايك، أنجزت الدراسات اللازمة لترميمها بانتظار توفير التمويل. «الضرر من تعطل محطة الأشرفية كبير، لكنه ليس ملحوظاً بنسبة كبيرة لأن الكثير من سكان الحيّ لم يعودوا بعد الى منازلهم وأصحاب المحالّ لم يعيدوا افتتاحها. لكن في حال أُنجز ترميم جميع المنازل والمحال ولم ترمّم المحطة، منكون ما عملنا شي لإعادة بث الروح في المنازل والمحال».
من تبقى من جيران «الكهرباء»
لا يكتمل المسير بسهولة إلى مبنى المؤسسة المقابل تماماً للمرفأ، لتفقد خراب الجدران والمكاتب بعد عامين كاملين من الكارثة. قبالة أحد مداخلها، يقيم الياس الخوري (15 عاماً) حاجزاً لتفتيش الذاكرة الجماعية. أحد ضحايا انفجار المرفأ الذي قضى بعد أسبوعين متأثراً بجراحه، كان جار المؤسسة. قضى خلال وجوده على شرفة منزله وهو يشاهد الحريق في المقابل. والدته ميراي وإخوته أجبروا على الانتقال من الحي بعد تدمير منزلهم الذي تعلوه لافتة تحذّر من الاقتراب منه بسبب خطر الانهيار والموت. لا يدرك من علّق اللافتة بأمر من محافظ بيروت، بأن الموت والانهيار سكنا كل أرجاء الحي. صور الخوري على مدخل المبنى وجوانبه الذي تقيم فيه أسرة والدته، تتدلّى لتشير أيضاً إلى خطر الانهيار والموت. خسارة الأرواح تكاد تنسينا خراب المؤسسة الأساسية في البلد. من حولها، توفي صاحب محطة البنزين الواقعة على الشارع العام وعدد من الجيران من سكان مار مخايل خلف المبنى.
بجانب جثّة مساعدته ماري طوق انتظر كمال حايك المسعفين 4 ساعات
المؤسسة أيضاً لها حصتها في خسارة الأرواح. ميراي طوق وزينة شمعون وكلوديا اللقيس دفعن ثمن تأخّرهنّ إلى ما بعد الدوام الرسمي ووقوع مكاتبهنّ في الطبقة الـ 13 ضمن مكتب المدير العام للمؤسسة. في الطبقة السفلية، حيث صالة استقبال الزبائن، لم تتم إضافة أسمائهن على اللوحة التذكارية لضحايا المؤسسة الذين قضوا خلال أداء مهماتهم. آخرهم كان يوسف الياس الذي توفي عام 2003، وأوّلهم كان راشد عجاج عام 1967. وما بينهما عدد من الموظفين الذين قضوا خلال الحرب الأهلية عندما كانت خطوط التماس تمرّ من حول المؤسسة، قبل أن تتخذها القوات اللبنانية ثكنة عسكرية.