لارا الهاشم
لم تنفع المتاريس التي حاول البعض زَرعَها بين أهالي ضحايا انفجار المرفأ وأهالي الموقوفين. على بعد أسابيع من الذكرى الثانية يقف الإثنان صفاً واحداً للمطالبة بالحقيقة وبتحرير القضاء من الحسابات السياسية.
يوم الخميس زار وفدٌ من أهالي الضحايا وزيرَ العدل هنري خوري للمطالبة بحلٍّ سريعٍ لمرسوم الهيئة العامة لمحكمة التمييز. في اليوم التالي زارَ خوري في مكتبه وفدٌ من أهالي الموقوفين وأبلغوه بأنهم داعمون لطرح النائب الياس بو صعب في حال قبول أهالي الضحايا به والذي يقضي بتعديل المرسوم الأخير مع مراعاة التوازنات الطائفية نظراً لحساسية الوضع الدّاخلي والقضيّة. الأهالي شكوا لوزير العدل وضعَ أبنائهم الموقوفين منذ سنتين من دون تحقيقات ومن دون محاكمة وناشدوه العمل على تحريك الملف حتى لا يبقى الموقوفون خلفَ القضبان إلى أجَلٍ غير مسمّى. فهؤلاء وإن كانوا ضمنيّاً مقتنعين ببراءة أبنائهم إلا أنهم لا يطالبون بالتبرئة وإنما جلّ ما يطوقون إليه اليوم هو إخلاء سبيل الموقوفين مع منعٍ من السّفر، ليَقينهِم بأن بعضَ الطبقة السياسية لن يَسمَح للمحقّق العدلي طارق البيطار بمتابعة تحقيقاته مهما طال الزّمن.
في اللقاء لم يُطلق الوزير خوري وعوداً جدّية باستثناء "محاولة المساعدَة" وهو موقف اعتاد أهالي الوقوفين كما الضحايا سماعه من كلّ المرجعيّات السياسية والقضائية التي التقوها. كيف لا والقاصي والدّاني يعلَم أنّ إثارة وزير المال للمناصفة في مسألة الهيئة العامة لمحكمة التمييز لا تهدفُ سوى إلى وضع العصيّ في الدواليب. فتركيبة الهيئة وفقاً للتوزيع الطائفي المطروح في المرسوم الذي يحتجزُه وزير المال يوسف خليل بحجّة اللاميثاقيّة قائمة منذ ما بعد الطائف ووزراء المال بمن فيهم الشيعة وقّعوا على كلّ التشكيلات القضائية المماثلة من دون أي معارضة. أضف إلى ذلك أن التوزيع الطائفي المتّبع في الهيئة العامة لمحكمة التمييز يسري أيضاً على كلٍّ من النيابة العامة التمييزية والماليّة والتفتيش القضائي، فلماذا يحاول البعض اليوم التلاعب "ببازل" متوازنٍ داخل قصور العدل وبصيغة الهيئة العامة دونَ غيرِها؟
الجواب واضحٌ وهو أن إثارة اللاميثاقية في هذا الظرف تهدفُ إلى عرقلة تحقيقات المرفأ. فصحيحٌ أن الرئيس نبيه برّي وعدَ بتوقيع المرسوم فورَ تعديله إلأ أن المصادر ترى في هذا الموقف محاولةً من قبل رئيس المجلس لرمي كرة التعطيل في ملعب الفريق الآخر كونه يعلم ُأن مجلس القضاء لن يوافق على هكذا طرحٍ من خارج السياق يُقحِمُ القضاء في زواريب الطائفية. عدا عن أنه يتعذّر على رئيس مجلس القضاء الذي يدير الشؤون الإدارية للعدليّة أن يترأس في الوقت عينه غرفة محكمة كما هو مطروح اليوم، بحسب أكثر من مصدرٍ قضائي.
إذاً الفريقُ المعطّل للتحقيقات يعلمُ أن إثارة اللاميثاقية تفرّق أكثر مما تقرّب تماماً كما يعلمُ أن توقيع وزير المال على مرسوم التشكيلات القضائية ليس ضروريّاً كونه لا يُرتّب أعباءً مالية على خزينة الدولة. فالقضاة المستحقّون لرئاسة محاكم التمييز من درجات معينة ولهم مخصّصات ثابتة لا تتبدّل مع تعيينهم في هذه المراكز. لكنّ الدراسات القانونية التي تؤكد هذه النظريّة والرأي القانوني الذي قدّمه نقيب المحامين السابق النائب ملحم خلف لوزير المال في الإطار نفسِه طالباً منه إعادة المرسوم إلى المرجع الصالح أي وزير العدل لم تنفَع، تماماً كما لم تنفع كلُّ وعود الوزير يوسف خليل لأهالي الضحايا بتوقيع المرسوم. فالوزير مُكبّل وهو ينفّذ إملاءات مرجعيّته السياسية التي لن تتوانى عن تقديم طلبات ردّ القاضي طارق البيطار ونقلِ الدّعوى من أمامه حتى ولو قُدّر للهيئة العامة لمحكمة التمييز أن تعود إلى الحياة بسحرِ ساحرٍ.