تيريزا فخري
في وقت يسود فيه الغموض على الاقتصاد اللبناني، وفي وقت عجزت السلطة الحاكمة على ايجاد حلول للخروج من الأزمة، أو في وقت لم يكلّف فيه الحكام خاطرهم لارساء حلول، تتجّه الأنظار نحو "النور الأصفر" الساطع من مصرف لبنان.
الذهب اليوم بات الخيار الوحيد في حال أفلست الدولة. إحتياطي لبنان من الذهب محصّن منذ عام 1986، وذلك بموجب القانون رقم 42 والذي ينصّ على: "منع التصرّف بالموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان أو لحسابه، بصورة استثنائية، مهما كانت طبيعة هذا التصرّف وماهيته، سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أم غير مباشرة، بهدف حماية الذهب ومنع وضع اليد عليه".
وبحسب المذكرة الصادرة عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في 20 حزيران 2022، فإنّ الموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان توازي أكثر من 9 مليون أونصة، وأكثر من 3 مليون أونصة في الولايات المتحدة الأميركية، والقسم الآخر الذي يوازي أكثر من 6 مليون أونصة، مخبّأ بين خزائن مصرف لبنان في بيروت. وبحسب الحاكم، إنّ مصرف لبنان لم يقم يتصرّف بهذه الموجودات الذهبية.
ولكن علامات الاستفهام بدأت تطرح نفسها مع تفاقم الأزمة، فهل يسيّل لبنان ذهبه؟ أم يبقيه محصّناً؟ وهل هناك من خطر على ثروة لبنان الصفراء؟
في حديث مع الخبير الاقتصادي انطوان فرح، شرح لـLebanonOn أن "الذهب محصّن منذ أكثر من 30 عاما، ولا يمكن لأي جهة أن تمسّ به الّا بالعودة الى المجلس النيابي بما يعني العودة الى البلد بأجمعه".
ولو استثمر لبنان ذهبه منذ عام 1986 الى يومنا الراهن، فكان من الممكن أن تتضاعف كميّة الذهب الموجودة. لكنّ الأمر بات اليوم يتمحور حول الثقة التي يعطيها هذا الذهب للدولة اللبنانية، فهو يُعتبر ضمانةً للبنان؛ ولكن ليس هناك ما يمنع أن يكون الذهب، مثل أي ثروة أخرى، مصدر استفادة، فهذا الذهب يمكن تحريكه بدلاً من تركه متجمّداً لا يتزحزح على مرّ السنين.
وأمّا الثقة الثانية، المتعلقة بالذهب والغائبة عن بلادنا، فهي الثقة والأمانة، التي على الشعب أن يعطيها للطبقة السياسية للتصرف بالذهب. ولكن، وللأسف تجربة اللبنانيين مع هذه الطبقة لم تكن جيّدة على مرّ ثلاثين عاماً، و"من جرّب مجرّب عقلو مخرّب".
وفي هذا السياق أشار فرح، إلى أنّ "عام 2020 كان احتياطي لبنان من الدولار قيمته تفوق الـ30 مليار، وبعد استنفاده لدفع مستحقّات الدولة لاستمرارية عمل الوزارات، أصبحت قيمته حوالي الـ9 مليار، ما يعني أنّ الطبقة الحاكمة لا تفتّش على حلول، بل تستنفر لكلّ ما يملكه لبنان لتغطية العجز الذي أصبحنا غارقين فيه. فما الذي يمنع أن نشهد السيناريو نفسه بالذهب؟ علماً أن "قدسية" هذه الودائع لا تقل عن قدسية الذهب. ما يعني أن بعد صرف كميّة من هذا الذهب، ان لم يكن هناك فريق مخصّص يستخدم هذا الذهب بالطريقة الصحيحة، فسينفد هذا الذهب مثلما نفدت جميع الخيّرات الأخرى، وعندها البكاء وصرير الأسنان".
والتخوف هو اليوم أيضاً بالتوقيت الذي يطرح فيه موضوع التسييل، ففي ظلّ الأزمة الاقتصادية لن يكون أمام المختصّين سوى أن يصرفوا هذا الذهب والقضاء عليه، لسدّ العجز.
أما الكارثة الكبرى، فهي وصول لبنان إلى مكان ليس هناك فيه أيّ خيار سوى أن يسيّل هذا الذهب، حيث رأى فرح أنّه عند وصولنا الى وقت نعجز فيه عن شراء السلع، وعن تمويل القطاعات الأساسية كالطاقة والاقتصاد، وعندما يجوع الشعب اللبناني سنكون عندها أمام خيار لا ثاني له، وهو صرف الذهب أو أي شيء موجود لتمويل هذه القطاعات.
وبرأي فرح: "إنّ نواب التغيير بشخصهم، الذين تقدّموا بمشروع قانون يزيد من حصانة الذهب، ان رأوا شعبهم جائع سيقفون عاجزين غير قادرين سوى ان يستخدموا هذا الذهب. والقاعدة العظمى التي على الجميع اعتمادها هي عدم ترك البلاد تصل الى الجوع، لكي لا نضطّر عندها أن نتصرّف بالذهب".
وأما عن الذهب النائم في الولايات المتحدة والذي تقدّر قيمته بحوالي الـ4 مليار، فهو يلعب دور ضمانة لودائع مواطنين الدول الأخرى، فإن عجزت البنوك اللبنانية عن اعادة الودائع لمودعيها، فسيكون على الولايات المتحدة عندها أن تحجز على هذا الذهب لاعادة المال لأصحابه.
يستطيع لبنان أن يستفيد من ثروته الصفراء بطرق عديدة، ولكن بالإضافة الى القانون الحالي الذي يمنع أي عملية تصرف بالذهب، الحكام هم من يشكّلون الخطر الأكبر على أي ثروة سواءً كانت من الذهب او من أيّ موجودات أخرى. فسيناريو الذهب اليوم يمكن رؤيته كقطعة لحم موضوعة داخل قفص من حديد، ولا نهش حولها منتظرة لحظة رفع القضبان عنها.
ويبقى موضوع صرف الذهب رهينة الاتجاه الذي سيأخذه البلد، فهل هناك من سينقذ لبنان من أزمته قبل اضطراره على صرف ذهبه؟