جريمة أنصار، المروج، ذوق مكايل، جريمة قتل الشاب السوداني، كلّها جرائم هزّت اللبنانيين في فترة وجيزة، هم الذين باتوا يستفيقون يوميًّا على أنباء الموت والقتل العمد بشكلٍ مطّرد في الآونة الأخيرة لدرجةٍ باتت تشكّل قلقًا متزايدًا لهم.
كمٌّ هائلٌ من الإجرام والعنف يلاحق اللبنانيين ويهددهم. جرائم لدوافع كثيرة معقدة، الواضح أن ليس فيها ما يمتّ إلى السرقة بصلة. فإذا لم تكن السرقة التي هي سبب أساسيٌّ منطقيّ للقتل اليوم بخاصّة في ظلّ الظروف الاقتصادية والمعيشية الخانقة، وأمّا وقد اختلفت اليوم دوافع الجرائم، تستوقفنا الأخيرة وتحيلنا الى التفكير بوضع اللبنانيين المأزوم على نطاقٍ نفسيّ عميق ومخيف.
في هذا الإطار، يوضح الطبيب والمعالج النفسي د. نبيل الخوري في حديثٍ لموقع LebanonOn أنّه "لا شكّ أنّ ازدياد منسوب الجرائم في الآونة الأخيرة مرتبط بعوامل عدّة اجتماعية ونفسية بشكلٍ عام، إذ نذكر أولًا الوضع المالي العام الضاغط وحالات الفقر المدقع التي بدأت تطرق أبواب اللبنانيين بشكلٍ مطّرد".
وأضاف: "كما أنّ هنالك كوابت عديدة منها عدم التمتع بمستوى الحياة الاجتماعية التي عهدها اللبناني سابقًا. ولم يعد الرجل اللبناني على سبيل المثال بإمكانه أن يقدم ما كان يقدمّه لأسرته".
وأردف: "هذه الظروف حفّزت الإنسان على القيام بأمورٍ لم يكن ليقدم عليها سابقًا لو أنه شعر بالأمل والدعم كالسابق".
هذا ولفت د. الخوري إلى أنّ "فقدان الأمل بالمستقبل هو أحد الاسباب الأساسية للوصول إلى هذه الكبوة".
وأكمل: "هذا المجتمع بدأ يشحذ على مرضه منذ أكثر من 50 سنة وفتك فيه المرض مؤخرًا".
ونبّه إلى أنه "يمكن مساعدة الإنسان ذي النية الجرمية إن كانت النية الجرمية تنطوي على الضعف والعجز والوهن".
وأشار في المقابل إلى أنه "أمّا إذا كان نتيجة مرض نفسي ورغبة بأذية الآخرين فهذا بحاجة لمساعدة من نوعٍ آخر أللّهم إذا رضي صاحب العلاقة".
وفي ما خصّ جريمة المروج المروّعة فقال د. الخوري: "بالنسبة لجريمة المروج فإن التحقيقات لا تزال مستمرة لمعرفة دوافع الجريمة وواقع الحال يدلّ على أنّ الجريمة تمّت بوحشية خنقًا وضربًا ومن قام بالجريمة كأنه ينتقم كما يريد أن يعبّر عن حقد دفين وقساوة في تفكيره ويمكن أن يكون قد أراد إعطاء عبرة لغيره لكي لا يواجه المعترك عينه".
وأضاف: "القساوة والوحشية والجثث التي نراها هي إرث من فترة الحرب الأهلية اللبنانية، فالعديد من الاهالي روى لأولاده عن إنجازاته بالقتل والسفك والوحشية إبّان الحرب وكيف كانت الميليشيات تقتتل وتتذابح. الجوّ الميليشاوي انتقل بالوراثة إلى الأجيال الحديثة".
هذا ونبّه في الختام إلى أنّ "الفلسفة الرائجة اليوم هي فلسفة الموت وليست فلسفة الحياة ولم يعد هناك أي رادع أمام إلغاء حياة الآخر لأن وخز الضمير في إجازة مزمنة. أضف إلى ذلك أن ما نشهده من برامج ومسلسلات وأفلام سينمائية فيها تمجيد وتعظيم للقاتل وفي كثير من الأفلام هنالك نصرة للشر والموت وهذا ما يسقط الروادع الخلقية عند الأجيال الناشئة".