باميلا فاخوري - خاص LebanonOn
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الأربعاء قراره تحويل مدفوعات إمدادات الغاز نحو أوروبا إلى العملة الروسية الوطنية "الروبل"، ابتداءً من مطلع الأسبوع المقبل.
قراره هذا جاء، بعد أن حاول الأميركيون بالإشتراك مع الأوروبيين تقويض قوة التنين الروسي وليّ ذراعه عبر فرض عقوباتِ صارمة عليها عقب غزوها أوكرانيا.
وقد سبق لبوتين، أنّ وعد منذ حوالي ١٠ أيام وأكثر بالرد على ما وصفه بالحرب الاقتصادية التي يشنها الغرب على روسيا ردا على مهاجمتها أوكرانيا. كما شدد على أنّ بلاده ستخرج من الأزمة الحالية أقوى.
فجاء قرار اليوم محاولة أو تمثّلًا وتطبيقَا لوعده.
وحيث تعتزم روسيا محاربة الأميركيين ومن معهم بسلاحهم عدم الانجرار إلى إنزال ورقة النفط على طاولة القمار الدولية لتبقى الورقة الرابحة لها. إذ هي تتلمّس خوف أوروبا من حجب روسيا امداداتها من الطاقة أو أقله تخفيضها.
ولاح في الأفق الروسي اليوم خبر تراجع سعر صرف الدولار، دون مستوى 95 روبلا، وذلك للمرة الأولى منذ 3 آذار الجاري، وجاء الهبوط بعد قرار تحويل مدفوعات صادرات الغاز الروسي نحو أوروبا إلى الروبل.
ولقد تراجع سعر صرف الدولار بنسبة 8.27% إلى 94.9875 روبل، وذلك للمرة الأولى في نحو 3 أسابيع، فيما هبط اليورو إلى مستوى 110 روبلات، وفقا لبيانات بورصة موسكو.
وجاء هبوط الدولار بعد أن أوعز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للحكومة الروسية بتحويل مدفوعات صادرات الغاز الطبيعي من روسيا نحو أوروبا إلى عملة الروبل بدلا من اليورو في غضون أسبوع.
في المقابل تسعى أميركا للضغط باتجاه رفع سعر برميل النفط للجم ثقة الروس وزعزعتهم.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الاتحاد الأوروبي هو الشريك الأكبر والأهم لروسيا، هو الذي يوفر لها أكثر من ثلث حاجاتها ويستورد منها أكثر من ثلث ما توفره من سلع وبضائع.
ما مدى اعتماد أوروبا على الغاز والنفط الروسيين؟
زد على ذلك أن الاتحاد الأوروبي يحصل على 26% من حاجاته النفطية من روسيا، و40% من حاجاته من الغاز من روسيا.
وإذ اعتبرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك أن بلادها أخطأت باعتمادها كثيرا على الغاز الروسي، فهل تعتمد وبلدان أوروبية أخرى مثلًا على الغاز العربي؟
في الواقع، لا مصلحة لروسيا بحجب نفطها وغازها عن أوروبا، ذلك أنّه إذا ما فعلتها ستكون لقمة سائغة لشره العرب وحلفائهم من الأميركيين هم الذين رسموا خطة نقل الغاز العربي فيتسيّدون السوق. وتكون روسيا بذلك قد فقدت حلمها بزعامة العالم وتركيعه وأضحت في عزلة اقتصادية تدمرها.
وفي كلّ هذا، تبقى الدول الضعيفة والمتعثرة مثل لبنان ضحية حرب الدول الكبرى وتصيبها سهامها. فلبنان الذي يعاني الأمرين على مستوياتٍ عدّة أبرزها أزمة الغاز والنفط واستجرارهما فضلًا عن انهيار عملته الوطنية، يحار اليوم مع خبر بيع روسيا غازها للدول غير الصديقة بالروبل في ما إذا كان بإمكانه التحول شمالاً لجهة الطاقة وتقليص أزمة تعويم الليرة عبر الشراء بالروبل أم البقاء في الحضن الأميركي رغم أشواكه.
في السياق، يقول رئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط مارون شماس في حديثٍ خاصّ لموقع LebanonOn إنّ "المعلومات المتوافرة بشأن إمكانية استيراد النفط والغاز من روسيا غير كافية لتصوّر المرحلة المقبلة بخاصّة مع العقوبات المفروضة عليها".
وأشار شماس إلى أنه "في الوقت الراهن تركز الشركات على تأمين البضاعة من غير المصادر الروسية، على أن نترقب في الأسابيع المقبلة سير الأحداث".
وتابع: "لو افترضنا أننا سنشتري الغاز من روسيا فعلينا بدايةَ أن نجد عملة وسيطة بين الروبل والليرة وهذا ما ليس ممكنًا الآن ولا يزال الوقت مبكرًا للحديث عن هذا الأمر".
الحقيقة أنّ المشكلة الفعلية الحائلة دون ذلك تكمن في استحالة سحب لبنان للاوراق الضاغطة التي في حوزة أميركا وأوروبا. فمساعدات صندوق النقد في يدهم وسندات اليورو بوندز كذلك وما يلحق ذلك من قطاعاتٍ عدّة.
لبنان إن فعلها واستعاض عن الغاز العربي وعن الدولار لن يسلم من ضرباتٍ قاتلة.
ما عليه اليوم سوى بالترقب ريثما تتوضح الصورة ويتبدّى الأقوى، لأنه براغماتيًّا لا يمكن الإفلات من مبدأ توازن القوة. والكلام عن استقلالية تامة يستوجبه ثمنًا باهظًا. فأي ثمنٍ سيدفعه لبنان لقاء حريته؟