مارون يمّين - خاص LebanonOn
أكثر من 10 أيّام مرت على زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى تركيا، ولقائه مسؤولين أتراك في مقدّمهم الرئيس رجب طيب اردوغان. وكما جاءت الزيارة سريعة، كان أيضا البيان المقتضب الذي صدر عن الطرفين بعد انتهاء اللقاء، والذي جرى فيه التأكيد على التعاون القائم بين الدولتين، والمساهمة المشتركة في المشاريع التنفيذية في مجالات عديدة أبرزها الطاقة.
وأتت هذه الزيارة بعد أيام قليلة من تعليق رئيس تيار المستقبل سعد الحريري عمله في السياسة، وهو الذي كان يحول ويجول ذهابا وإيابا الى تركيا خصوصا في الفترة التي كُلف فيها تشكيل الحكومة. فماذا يعني توقيت زيارة ميقاتي الى تركيا؟ وهل قرّر أردوغان أن يستبدل الحريري بميقاتي؟ وهل فعلا لبنان في أولويات تركيا الذي زار رئيسها الإمارات في الساعات القليلة الماضية؟
إنّ هذه الزيارة حصلت فيما يمكن أن نسمّيه الوقت الضائع لحكومة نجيب ميقاتي، وفق ما يخبر الخبير في الشؤون التركية، الدكتور محمد نور الدين في حديث خاص لموقع LebanonOn، حيث أنّ لا مشاريع عملية مطروحة سواء بالنسبة لصندوق النقد الدولي، أو المساعدات الخارجية او المبادرات الداخلية من الدولة اللبنانية.
وإعتبر أنّ "هذه الزيارة التي استغرقت بالكاد يوما واحدا برفقة عدد كبير من الوزراء، لا تقدم ولا تؤخر في أي موضوع، فالجميع يعرف أن الحكومة اللبنانية يجب أن تمضي قدما في مشاريعها قبل اي اتفاق مع الصندوق من جهة، ومن المعروف أيضا أنّ الدعم الخارجي الاساسي للبنان يُتوقع من الصندوق ومن بعض الدول الخليجية في حال كان ذلك متاحا".
وقال: "الدول الخليجية والولايات المتحدة الاميركية لن تسمح للاستثمار التركي ان يأخذ مداه في لبنان من دون موافقتها، وفي ظل الخلافات الاميركية والسعودية مع تركيا بالرغم من ان اردوغان قال ان هناك صفحة جديدة مع السعودية لكن هذا الامر لم يتبلور بعد بشكل كامل، وبالتالي حدود حركة تركيا في لبنان ضيقة جدا في غياب الضوء الاخضر السعودي او الاميركي".
ورأى نور الدين أنّ "الزيارة هي خطوة شكلية اكثر من ما هي عملية، استفاد فيها ميقاتي من علاقته الشخصية مع رجب طيب اردوغان من دون ان يعني ذلك ان تكون تركيا في الموقع الداعم لنجيب ميقاتي في الانتخابات النيابية المقبلة مثلا".
وبعد الزيارة تناولت مواقع اخبارية عديدة معلومات تفيد أنّه في خلال اللقاء طلب الرئيس ميقاتي من اردوغان مساعدة تركيا في الطاقة الكهربائية على اعتبار ان ساعات الكهرباء التي يؤمّنها الاتفاق مع الاردن وسوريا غير كافية، كما نقلت المعلومات ايضا وعد اردوغان بدراسة الامر مع إمكانية عودة البواخر التركية لتغذي المعامل في لبنان وبكلفة متدنية.
وعن مدى حقيقة هذه المعلومات سألنا الخبير في الشؤون التركية محمد نور الدين، الذي لا يعتقد ان مسألة البواخر الكهربائية قد تم طيّها بشكل كامل، مشيرا في هذا الصدد الى انها كانت بمبادرة مشتركة بين اطراف سياسية وكان ميقاتي خارج هذه المسألة واستبعد ان يكون قد تم طرح الامر على هذا النحو.
وتابع: "في موضوع كهرباء لبنان المطلوب كما بات معروفا خطة جدية ضمن خطة التعافي، تحتاج ضوءا اخضر اميركيا، وهذا غير متوفر حاليا حتى مع تركيا كون الولايات المتحدة الاميركية تمارس ضغوطا اقتصادية كبيرة على لبنان. وبالتالي لا يمكن ان يكون هناك اي دور تركي للمساهمة في إعادة الاعمار في قطاع الكهرباء في لبنان من خارج الخطة التي من المفترض ان يقرّها مجلس الوزراء".
وفيما يرى البعض أن التقارب التركي الخليجي المستجد، والمتمثل بزيارة اردوغان للإمارات، يتلمّس البعض الآخر تعكرا في العلاقة مع ايران. عن كل ذلك سألنا نور الدين أيضا عن إمكانية انسحاب هذا التعكير على العلاقة بين تركيا وحزب الله في الشأن اللبناني، وما إذا ذلك قد يؤدي الى كسر رجل الاستثمار التركي ان حصل في لبنان مستقبلا.
لنفهم خلفيات المصالحة التركية الاماراتية، يجب ان نذكّر بحسب نور الدين، بأنّ "الخطوة قد جاءت بمبادرة من الامارات على اساس السياسة الاماراتية التي تعتمدها مع دول المنطقة مؤخرا، إذ شهدنا تقاربا مع سوريا واتفاق سلام مع اسرائيل واليوم هي اخذت بزمام الامور من اجل المصالحة مع تركيا".
وأشار الى أنّ "الامارات ترغب بأن تقوم بدور البلد الذي يقرّب المسافات بين الدول، ويصالح الدول، وتكون عامل سلام وعامل استقرار في المنطقة"، لافتا الى أنّ "وجهة النظر الاماراتية هذه تلحظ بطبيعة الحال ان يكون هناك صفر مشكلات مع هذه الدول ومن ضمنها تركيا".
ووصف نور الدين زيارة أردوغان الى ابو ظبي بالخطوة الاستثنائية والملفتة للنظر قياسا الى كمية العداء الحاد بين البلدين خصوصا بعد محاولة الانقلاب في تركيا في 15 تموز 2016 والتي اتهمت الاخيرة الامارات والولايات المتحدة وبعض الدول الاوروبية بالوقوف وراءها.
وأردف نور الدين قائلا: "تزامن هذا الانفتاح مع مرور تركيا بأسوأ أزمة اقتصادية تعرفها، وتضخّم عالي، وانهيار كبير في سعر صرف الليرة بحيث ان النقطة الاساسية التي كان يراها اردوغان مرتكز نجاحه في السلطة هي الاقتصاد القوي الذي قد ترنّح ولا يزال يواجه صعوبات كثيرة"، مؤكّدا أنّ "الرئيس التركي سارع الى تسريع وتيرة هذه المصالحة من اجل كسب 10 مليارات دولار من الامارات لتخفيف وطأة الضغط الاقتصادي الذي فرضته الولايات المتحدة الاميركية على تركيا، في مسعى لتحسين المستوى الداخلي لتركيا، ما يتيح له الفرصة مجددا من أجل تعويم نفسه للفوز بالانتخابات الرئاسية السنة المقبلة ولـ5 اعوام اضافية".
لكن هل سيصل الانفتاح التركي نحو الخليج الى درجة تفويض السعودية لتركيا بأن تكون مرجعا للسُنة في لبنان اذا بقيت الاكثرية نفسها في الحكم في لبنان بعد الانتخابات، وبالتالي استمرار القطيعة الخليجية؟
شدّد نور الدين في حديث لموقع LebanonOn على أنّه "من غير العقلاني أن يلتقي الطرفان التركي والسعودي في الساحة اللبنانية لدعم احد المرشحين او الافرقاء في الطائفة السنية، خصوصا اذا عدنا الى طبيعة النظام الاسلامي الموجود في الخليج وذلك الموجود في تركيا".
وختم: "صحيح ان السعودية انسحبت ظاهريا من المشهد اللبناني، لكنها تحاول ان تجد البدائل لسعد الحريري، ومن المستبعد جدا ان تخلي الساحة اللبنانية لأحد الاطراف المنافسين لها في المنطقة مثل تركيا حتى لو كانت العلاقة بين البلدين تشهد بعض بوادر الانفتاح التي ربما تكتمل قريبا، وربما لا".