بحيرة من الدولارات العائمة في لبنان.. قراءة خطيرة عن الإقتصاد السري والجريمة المنظمة وبيتكوين

خاص ON | مارون يمّين | Tuesday, February 8, 2022 8:34:00 AM

مارون يمّين

لطالما أعرب مسؤولون عن خشيتهم من حصول هزات أمنية في لبنان مع تدهور الوضع الاقتصادي والإجتماعي منذ 3 سنوات تقريبا، ومع إقتراب موعد الإنتخابات أكثر فأكثر. وما يعزز هذه المخاوف وجود اقتصادات سرية تغذّي العمليات الارهابية، خصوصا في ظلّ غياب الموازنات العالية للقطاع الأمني في لبنان. ولا تنحصر هذه الهواجس فقط بحصول إهتزازات أمنية أو بتحرك الخلايا الارهابية النائمة، بل يتعدّاها الى قلق من تحوّل لبنان الى منصة لتصدير الإقتصاد الأسود وتحكّم المافيا الدولية به بالتعاون مع المافيا الداخلية وما تشملها من سياسيين، ورجال اعمال، ورجال أمن وسواهم.

ويعتبر الإقتصاد الأسود، أو إقتصاد الظلّ نشاطا تجاريا غير قانوني يشتمل على تبييض الأموال، وتهريب الأسلحة والمخدرات، التهرّب الضريبي وغيرها من العمليات التي من شأنها أن تضرّ بالإقتصاد الفعلي للدولة.

ويرى الأكاديمي والخبير الاقتصادي د. بيار الخوري في حديث خاص لموقع LebanonOn أنّ "لبنان تحوّل الى الـcash economy أي الإقتصاد النقدي، وميزته الاساسية هي أنّه لا يمكن تتبّع العمليات المالية التي تحصل في هذا النظام".

ويوضح خوري أنّ "النظام المصرفي الدولي بعد صدور السياسات الدولية ضد الإرهاب، قام بجهود رقابية على مستوى كل المؤسسات المالية، وطالت المراسلات ومواقع التواصل والاتصالات من أجل ضبط ومحاربة عمليات السوق السوداء والاقتصاد غير النظامي الذي يتغذى عبره الإرهاب".

ويقول: "النظام المالي الدولي تدخّل بقوة، لأنه اعتبر أنّ خطر الارهاب قد تغلغل في النظام الأسود، وقام بعدها بتشريعات رقابية مركزها النظام المالي وأصبح قادرا على مراقبة التحويلات المالية، وعمليات نقل الأموال من حساب الى آخر، وكذلك سحوبات المال من الحسابات؛ كما تمكّن من تطبيق نظام التتبّع على مستويات متعدّدة خصوصا أن قاعدة البيانات المصرفية والمالية موجودة، وكل ذلك مرعي من خلال النظام العالمي SWIFT (جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك)".

ويضيف د.خوري: "تمّ إجبار المصارف على الخضوع لما يعرف بـ"قواعد الإمتثال". وتقوم هذه القواعد على مبدأ "اعرف عميلك know your customer"، وهي عملية تَحقّق من هوية العُملاء وتقييم مدى ملاءمتها، إلى جانب المخاطر المحتملة للنوايا غير القانونية تجاه علاقة العمل، وتقدم تبريرات لحصول العميل على كمية معينة من الأموال عن طريق التحويل أو نقلها من حساب الى آخر، وذلك بهدف التأكد من المعلومات ذات الصلة بعملائها، من أجل مكافحة الرشوة والأنشطة الأخرى المتعلقة بالفساد وغسل الأموال".

ويؤكّد خوري أنّ "كل هذه القواعد والأنظمة الرقابية قد إضمحلت في لبنان مع بداية الأزمة في العام 2019، وإنقطع لبنان عن النظام الرقابي الذي وضعه النظام المالي الدولي، بالتالي تحول لبنان الى ما يعرف بـ"الإقتصاد النقدي cash economy"، وما نعرفه اليوم أنّ سوق تبادل الدولارات والعملات الأجنبية في بيروت تحصل من دون رقيب وهذا ما يسمّى بالسوق السوداء".

هذا الأمر دفع بالبروفيسور بيار خوري لطرح مجموعة من الأسئلة: "ما هو مصدر الدولار الذي يتم التداول به في بيروت؟ هل هو دولار مبيّض؟ هل هو دولار مزوّر بحرفية عالية؟ هل هو من الدولارات المسروقة من البنوك المركزية في ليبيا والعراق والتي سمّيت بالدولارات المجلّدة"؟ معتبرا أنّ "لبنان تحوّل إلى أكبر سوق تغيب فيه القوانين والتشريعات التي تحمي من تبييض الأموال، وأموال الجريمة المنظمة نتيجة سقوط النظام المصرفي".

ويرى خوري في هذا السقوط قطعا للسلسلة التي من خلالاها يراقب النظام المالي الدولي حركة الأموال في لبنان. ويقول: "لدينا مجموعة كبيرة من العناصر التي تعني تفكّك نظام الرقابة الدولية على المال الأسود، والسوق السوادء، وتبييض المال الاسود، والجريمة المنظمة؛ فكل هذه العمليات أصبحت غير مرئية، لذلك نحن اليوم لا نعرف حتى مصدر الدولارات الموجودة في منازلنا".

ويوضح الأكاديمي والباحث والاقتصاد السياسي أنّ "هذا الأمر لم يكن واضحا الى العلن كثيرا في السابق، لأن اللبناني لم يكن يخزّن في منزله الا حاجته اليومية للدولار، وهذا ما اختلف عليه الوضع بعد الازمة المالية والنقدية حيث عمد اللبناني الى تخزين الدولارات التي سحبها من المصرف داخل خزنات في المنازل"، مشدّدا على أنّ "لبنان يعوم على بحيرة من الدولارات"، لكن السؤال الأبرز الذي لا يستطيع أحد الإجابة عليه هو "ايّ دولارات؟ وما هو مصدرها"؟

عن خطر الخلايا الإرهابية
وبالعودة الى موضوع الإرهاب، يشرح خوري في حديثه لموقع LebanonOn أنّ "الإرهاب تغلغل من خلال الاقتصاد الاسود. الإرهاب لا يمكنه ان يضع اموالا في المصرف، أو يصدر حتى فاتورة، أو إصدار شيكات، لكنه اذا عرف ان يدخل عن طريق النظام الأسود الى الشبكات المصرفية عندها يحوّل أمواله الى شركات طبيعية تقوم بإنتاج المال وتوزيعه وهذه البنية موجودة في لبنان"؛ معتبرا أنّه "بالرغم من أنّ الإقتصاد الأسود موجود في لبنان منذ ما قبل الأزمة، لكنه تحوّل في ظرف سنتين الى سوق سوداء نموذجية".

أمّا التهرب الضريبي في لبنان، فيشكل قاعدة ولا يعتبر جريمة تبييض أموال بحسب خوري. فلبنان قائم على ضرائب غير مباشرة و80 بالمئة يدفعها الشعب والموظفون (ضريبة الدخل)، بينما الشركات يقع على عاتقها الـ20 بالمئة المتبقية. ويردف خوري: "لا يمكننا اعتبار التهرب الضريبي مرتبط بعمليات الجريمة المنظمة، وصحيح أنّه ينتمي إلى الإقتصاد الأسود إلا أنّه يحظى بالقبول العام".
ويستطرد قائلا: "في بناء السلطة السياسية، وبناء نظام الضرائب في لبنان وتحصيلها، الكلّ يعرف ويقبَل بأن الشركات لا تصرّح عن اموالها وأرباحها، وتحوّل هذا الأمر الى قاعدة مالية ثقافية في البلد".

تهريب الكبتاغون دليلا...
ولا يمكننا أن نتحدّث عن الإقتصاد الأسود، ولا نأتي على ذِكر تجارة الأسلحة والمخدرات، التي وفق خوري تخضع لرقابة دولية شديدة. وتِبعا له، يجب أن نفرّق بين أمرين في موضوع تجارة الأسلحة: "الإقتناء الفردي للسلاح، وهو أمر شائع ومشروع تاريخيا في لبنان، لكنّه غير مسموح به في القانون على عكس ما هو حاصل في الولايات المتحدة التي شرّعت هذه التجارة ونظّمتها وفق القوانين. كما هناك تجارة الأسلحة الثقيلة التي تهدف الى مساندة جهات قتالية غالبيتها إرهابية، فهي محظورة بالتأكيد، ويسعى النظام المالي العالمي الى التشدّد في مراقبة وملاحقة اي عمليات مالية من شأنها أن تعزّز هذه التجارة".

ويلفت خوري إلى أنّ "لبنان وبسبب ضعف الأجهزة الأمنية، والتي زادت من ضعفها الأزمة الاقتصادية، وتراجع رواتب الضباط والعسكر، وتدنّي ميزانية الأمن، بالإضافة الى الفوضى الحاصلة منذ سنتين، كلّها عوامل تدفع الى تشجيع لبنان لأن يكون مسرحا لتجارة الأسلحة غير المشروعة، سواء عبر الحدود أو عبر المرافق الأخرى".
وينظر خوري الذي تخصّص في صناعة سياسات الاقتصاد الكلي لدى معهد صندوق النقد الدولي في واشنطن إلى عمليات ضبط شحنات الكبتاغون كونها دلالة على انّ الاقتصاد الأسود كبير جدا في لبنان، وأنّنا أصبحنا مركزا لتصديره الى المناطق المحيطة بنا والمجاورة لنا؛ وهذا الأمر بالنسبة إليه طبيعي في ظل غياب شروط الرقابة والحوكمة.

بيتكوين أيضا؟!
يشير د. خوري إلى أنّ "المافيا الدولية لديها نظام مالي رديف، وهنا لا بدّ ان نشير الى العملات المشفّرة كونها أيضا طريقة للهروب من النظام المالي الدولي لأنّها لا تخضع لأي رقابة، وبالتالي يمكن التبادل بها. وتخشى بعض الجهات من أن تكون بيتكوين مثلا (كونها الأكثر شيوعا) تُموّل بعض العمليات الإرهابية او تكون البيتكوين عملة التبادل المالي بين المنظمات الارهابية".

وفي ختام هذه القراءة المفصّلة عبر موقع LebanonOn، يلخّص خوري الوضع على إعتبار أنّ "لبنان بيئة مناسبة لكل هذه العمليات، أمّا من يستفيد في الداخل فلا يمكننا الجزم، بل نحن بحاجة الى معطيات ومعلومات وأدلّة لتثبت إن كانت هناك جهات سياسية متورطة"، مشدّدا على أنّ "هذه البيئة خطرة جدا، وسيدفع ثمنها في المستقبل كل من اشترك فيها، فالإندراج في منظومة تبييض الاموال وتمويل الإرهاب له اثمان كبيرة".

| تابعوا آخر أخبار "Lebanon On" عبر Google News اضغط هنا

| لمتابعة آخر الأخبار والتطورات اشتركوا بقناتنا عبر واتساب اضغط هنا