مارون ناصيف
عندما تسأل مسؤولاً أو نائباً من حزب الله عن موقفه من تعليق رئيس تيار المستقبل سعد الحريري عمله السياسي وخروجه وتياره من الحياة السياسية مرحلياً، يسود الصمت أولاً، وثانياً يتمنى عليك ألا تنقل عنه كلمة أو تصريحاً أو موقفاً ولا حتى معلومات منسوبة الى مصادر أو أوساط حزب الله. بهذه الدرجة من الدقة والحذر تتعاطى قيادة حزب الله مع إنسحاب الحريري من المشهد السياسي، وقد عممت على المسؤولين عدم التعليق والصمت الى حين أن يحين وقت التعليق المناسب على ما حصل، وعندها سيكون التعليق الأول للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
اللحظة السياسية الدقيقة ليست لتسجيل النقاط بالنسبة الى الحزب ولا للحديث عن الإنتخابات النيابية والتحالفات وما يمكن أن تفرزه صناديق الطائفة السنية من نتائج في ظل غياب الحريري، وبالتأكيد التأكيد أن اللحظة ليست للشماتة الأمر الذي لم يفعله الحزب سابقاً مع أي مكون لبناني كان في لحظة سياسية حرجة.
أذكى بكثير من تعاطي القوات اللبنانية مع خروج الحريري من الحياة السياسية كان تعاطي حزب الله مع هذا الملف. فمواقف رئيس القوات سمير جعجع إستفزت كثيراً تيار المستقبل وأثارت ردوداً عنيفة عليها، بينما لم يستفز الحزب بصمته المنسّق، التيار الأزرق علماً أن الحريري حمّل في كلمته مسؤولية ما وصلت اليه الأمور الى حزب الله وايران. جعجع ظهر وكأنه الأكثر إستعجالاً على إنسحاب الحريري للإنقضاض على الساحة السنية ودوائرها الإنتخابية وعلى بدء حملته فيها لوراثة الحريرية السياسية في صناديق الإقتراع، وهذا ما أدى الى ردة فعل شعبية وسياسية ضده في المناطق السنية، بينما تعاطى حزب الله بحنكة متجنباً أي موقف قد يستفز هذه القاعدة، ويمكن القول إنه نجح حتى اللحظة.
يعرف الحزب تماماً أن خروج الحريري من المشهد السياسي ولو مرحلياً ستكون له تداعياته، لكنه في الوقت عينه لا يخاف كثيراً على مصير الإنتخابات النيابية المقبلة، منطلقاً في عدم خوفه هذا من المواقف الدولية المصرّة على إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، وتحديداً من التهديدات الأميركية التي سبق أن صدرت عن مسؤولين كبار والتي لوّحت بفرض عقوبات على أي مسؤول أو شخصية لبنانية قد تؤجل إستحقاق الإنتخابات النيابية المحددة في الخامس عشر من أيار المقبل.
ولأن الصورة النهائية لما بعد إنسحاب الحريري لم تتبلور بعد، يفضّل الحزب عدم التعليق راهناً وقد عمم حتى على جمهوره عدم الإنجرار الى حملات على وسائل التواصل الإجتماعي هدفها السخرية من خطوة الحريري.
في النهاية الحزب يحسبها جيداً، الوضع دقيق جداً، وأي إنزلاق أمني في الشارع لا سيما بين الشيعة والسنة، سيُستعمل ضده بالتأكيد وستوجه اليه أصابع الإتهام على الفور بإفتعال الإشكالات لتطيير الإنتخابات النيابية المقبلة وتأجيلها الى موعد لاحق، وهذا ما لا يريده بالتأكيد.