صحيح أن إرتفاع عدد اللبنانيين غير المقيمين الذين تسجلوا للمشاركة في الإنتخابات النيابية المقبلة هو بحدّ ذاته مؤشر الى تغيير ما قد يطرأ على خارطة توزّع القوى السياسية في لبنان، غير أن هذا التغيير لا يُمكنه أن يتحقق إذا لم تُستكمل عملية تسجيل غير المقيمين بخطوتين أساسيتين يوم الإنتخابات، خطوة أولى تتمثّل برفع نسبة إقتراعهم قدر الإمكان، وخطوة ثانية أساسُها تصويت أكثريتهم في إتجاه واحد وإلا لا تغيير ولا من يحزنون.
أي كلام إنتخابي عن تأثير اللبنانيين غير المقيمين لا ينطلق من عاملي نسبة الإقتراع التي ستسجلها أقلام الإغتراب وكيفية توزع أصواتهم، يمكن وصفه وبكل ضمير مرتاح بالكلام الشعبوي غير العلمي والبعيد كل البعد عن ما لغة الأرقام وحساباتها.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يمكن القول أبداً كما يسوّق البعض إن اللبنانيين الذين تسجلوا في دائرة الشمال الثالثة (البترون، الكورة، بشري وزغرتا) وعددهم 26682 سيحصدون حاصلين إنتخابيين (الحاصل المتوقع في الدائرة 13000 صوت) أي مقعدين لمصلحة لائحة المجتمع المدني أو إنتفاضة "17 تشرين" أو قوى المعارضة، وذلك لأسباب عدة، أولها لأن نسبة الإقتراع في صناديق هؤلاء وفي حال كانت في أحسن أحوالها قد تصل الى 60 % أي ما يعادل 16000 صوت أي حوالى حاصل وربع، وثانياً، لأن المقترعين الـ16000 سيتوزعون على أكثر من لائحة، لائحة القوات اللبنانية وحلفائها، لائحة تيار المرده والحزب القومي، لائحة التيار الوطني الحر، لائحة حركة الإستقلال وحزب الكتائب، لائحة مجموعات "17 تشرين" الرافضة للتحالف مع حزب الكتائب، وغيرها من اللوائح التي قد تشكل.
من الشمال الثالثة الى دائرة بيروت الأولى (الأشرفية، الصيفي، الرميل والمدوّر) حيث وصل عدد المسجلين الى 9668 لبنانياً في دول الإنتشار. صحيح أن الحاصل الإنتخابي المتوقع في الدائرة إنطلاقاً من دورة العام 2018 هو 5500 صوت، وصحيح أيضاً أن مجموع المسجلين قريب جداً من الحاصلين، ولكن، من قال إن هؤلاء سيقترعون للائحة واحدة ؟ ومن قال إنهم سيقترعون بنسبة مئة في المئة؟ وهل من فريق سياسي معارض أو موالٍ يُمكنه أن يجير كل هذه الأصوات لصالح لائحته أو أن يدّعي قدرته على تجييره كامل أصوات هؤلاء؟
لكل ما تقدم، ولأن نتيجة الإنتخابات النيابية تُحسم بالأرقام لا بالشعبوية، من المُبكر جداً الحديث بلغة الحسم عن أن أصوات المغتربين ستحسم نتيجة هذه الدائرة أو تلك، ولصالح هذا الفريق أو ذاك، وحتى إذا سجّل المغتربون نسبة إقتراع عالية في أي دائرة من الدوائر، فإذا لم تتوحد مجموعات المجتمع المدني بلائحة واحدة كي تحصد النسبة الأعلى من أصوات المقترعين، فلن تكون قوى التغيير قادرة على تحقيق أي خرق وإذا تحقق الخرق سيكون خجولاً، كل ذلك لأن الأحزاب والتيارات السياسية لا تزال موجودة بماكيناتها المنظمة ومناصريها وناخبيها وقدراتها المادية، ومواجهتُها بهدف خرق لوائحها، تتطلب خوض معركة نظيفة ومن دون أي "دعسة ناقصة".