مارون ناصيف
إذا كانت الكارثة التربوية في المدارس الرسمية ناتجةً عن إضراب روابط الأساتذة والمعلمين والمتعاقدين لعدم قدرتهم على الإستمرار بسبب تدني قيمة رواتبهم، ما منع العام الدراسي من الإنطلاق فعلياً في التعليم الرسمي، فهناك في المدارس الخاصة كارثة من نوع آخر لا تقل خطورة لناحية تداعياتها الصحية عن التداعيات التربوية للكارثة التي تضرب التعليم الرسمي. فمنذ إنطلاق العام الدراسي، كان واضحاً أن المدارس الخاصة لا سيما الكاثوليكية منها، ترفض رفضاً قاطعاً إقفال أبوابها هذا العام لأي سبب كان حتى لو كان هذا السبب مرتبطاً بتفشي فيروس كورونا. هذا التوجه، لطالما كان الأكثر رواجاً في الإجتماعات التحضيرية التي عقدتها الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية، قبل إنطلاق العام الدراسي.
بالفعل، "من فتح مدرسة أقفل سجناً" كما قال نابوليون بونابرت، وبالفعل أيضاً "لا رُقي بغير العلم للأمم" كما قال جبران خليل جبران، ولكن للظروف أحكامها أحياناً، خاصةً عندما تعرّض هذه الظروف مجمتعاً بكامله للخطر، فكيف إذا كنا نتحدث عن وباء سريع الإنتشار وخطير كفيروس كورونا، قتل منذ بدء إنتشاره حتى اليوم ما يزيد عن خمسة ملايين شخص؟
نعم ما يقوم به البعض من إدارات المدارس الخاصة خطير جداً ويستدعي تدخلاً سريعاً لوزارة التربية والتعليم العالي.
تخيلوا مثلاً أن مدرسة كبرى في المتن الشمالي فتحت منذ أيام قليلة صفاً من صفوف الروضات فيها وكأن كورونا لم يكن، كل ذلك، على رغم تبلغها هاتفياً من قبل عدد من أهالي تلامذة الصف المذكور بإصابتهم وأولادهم بفيروس كورونا، ولو لم يتصل عدد من هؤلاء الأهالي بالوزارة معترضاً على ما قامت به إدارة المدرسة، لما أبلغت الإدارة الوزارة بما حصل، ولما علمت الوزارة كي تتدخل وتقفل الصف المذكور كما حصل تفادياً لإنتقال عدوى الوباء الى جميع التلامذة ومنهم الى أهلهم، ومن أهلهم أبصر الى مَن مِن كبار السن والمرضى ! أما الفضيحة التي علم بها الأهالي تباعاً، فتمثلت بإقفال إدارة المدرسة حوالى 11 صفاً دفعةً واحدة ما يعني أن الإدارة، وقبل أن تتدخل الوزارة، سبق أن تبلغت من الأهالي بتسجيل إصابات في هذه الصفوف إما بين التلامذة وإما بين أهلهم، ومن دون ان تتخذ أي إجراء وقائي.
وتخيلوا أيضاً أن مدرسة كبرى أخرى من مدارس كسروان، أبقت على صفوفها مفتوحة على رغم تسجيل إصابات بكورونا بين تلامذتها، وعندما علمت الوزارة وتدخلت فارضة عليها إقفال الصفوف، لم تصارح الأهالي بما حصل، وبررت إقفال الصفوف ببيان رسمي أصدرته، بعطل طرأ على المولد الكهربائي الذي يغذي المدرسة بالطاقة، وكأنه من الصعب جداً على المدرسة أن تتصل بإحدى شركات الصيانة، وأن تُحضر الأخيرة مولداً كهربائياً نقّالاً الى حرمها وتزودها بالكهرباء الى حين إصلاح مولّدها، هذا إذا كان سبب الإقفال حقاً عطل المولّد الكهربائي.
تخيلوا أن عدداً كبيراً من المدارس أوقف فحص حرارة التلامذة قبل دخولهم الى صفوفهم صباحاً واوقف أيضاً عملية تعقيمهم التي طبقت في بداية العام الدراسي.
لا يا حضرات مدراء المدارس، كورونا ليس عيباً كي تتسروا عليه وكي لا تصارحوا الأهالي بتطوراته وبإصاباته داخل الصفوف
كورونا وباء ضرب الكرة الأرضية وهزّ الإقتصاد العالمي، والإعتراف به لا يشوّه سمعة هذه المدرسة أو تلك.
كورونا بمتحوراته وآخرها أوميكرون السريع الإنتشار، يستأهل من إدارات المدارس التعاطي بأعلى درجات المسؤولية والوقاية والوعي، وإذا اقفلنا صفاً لأيام معددودة كي نحدّ قدر الإمكان من إنتشار الوباء، لا نعرّض العام الدراسي لخطر، وهذا ما يحرص عليه أهالي التلامذة، بقدر ما تحرص عليه إدارات المدارس الخاصة وأمانتها العامة.