خمسون عاما مرّت على بداية العلاقات الدبلوماسية بين الصين ولبنان. علاقات لم تعتريها أيّة شائبة طيلة هذه السنوات، الى حدّ المثالية لولا أنّها بقيت على مستوى بعيد من الإنخراط الفعلي والجدي في المجالات الإقتصادية الثنائية، حيث لم يتمّكن لبنان من الإستفادة من كل الفرص التي قدّمتها الصين له حتى في أحوج الظروف التي مرّ بها.
وفيما وصلت الصين بمشاريعها العملاقة الى كلّ أنحاء العالم، وهي التي تنافس الولايات المتحدة الأميريكة على زعامة الإقتصاد العالمي، يرزح لبنان تحت وطأة أزمات أوقع نفسه بها، وهو يتفرج اليوم على محيطه حائرا بمخارج مفروضة عليه من المجتمع الدولي عبر صندوق النقد ومؤتمرات الدعم، أو من دول جعلته ورقة على طاولة مفاوضات تقسيم النفوذ الجديد في المنطقة.
فأيّ دور ينتظره لبنان من الصين في خلال الأزمة الصعبة التي يمرّ بها؟ وهل دائما سيبقى الدور الصيني في لبنان مقتصرا على "محاولات" في الإستثمار؟
موقع LebanonOn توجّه بهذه الأسئلة وغيرها إلى رئيس الجمعية العربية الصينية للتنمية قاسم طفيلي، الذي أشار بداية الى أنّ "آخر تواصل بين لبنان والصين كان منذ حوالي 10 أيام، عندما تبادل الرئيسان الصيني واللبناني رسائل تهنئة بمناسبة العيد الخمسين لقيام العلاقات الدبلوماسية بين لبنان والصين"، لافتا الى أنّ "الرئيس الصيني أكّد في البرقية للرئيس عون أنّ الصين حريصة على تعميق التعامل مع لبنان في الكثير من المجالات، لتحقيق مساواة ومنفعة متابدلة بين الطرفين".
وقال: "الرئيس الصيني أكّد أيضا للرئيس عون أن الصين مستعدة لتوسيع الثقة السياسية المتبادلة بين الطرفين، وتعميق التعاون العملي والدفع باتجاه مستويات اعلى؛ كما أكّد أنّ الصين ستواصل دعم لبنان في مكافحة كورونا، وتطوير الاقتصاد وتحسين رفاه الشعب اللبناني".
ويرى طفيلي أنّ "الصين بحرصها على تطوير لبنان إقتصاده وتحسين رفاه شعبه، تقصد أنّ المجال لا يزال مفتوحا أمامه للإستفادة من مبادرة طريق الحرير (الحزام والطريق)، لذلك أعتقد أن هذا هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الصين، والأمر يتوقف عند كيفية تلقّف اللبنانيين الفرصة، أو اليد المفتوحة من الصين الى لبنان".
وفيما ينظر البعض الى أنّ الدور الصيني في لبنان مقتصر على "محاولات" في الإستثمار، يسأل البعض الآخر في هذا الإطار عن سبب عدم حضور الصين سياسيا على الساحة اللبنانية على غرار الولايات المتحدة، وروسيا، ومصر، وفرنسا، ودول الخليج، وإيران. يؤكّد طفيلي ردّا على طرح البعض لهذه المعادلات، بأنّ "الصين ليست في أيّ محور، ولا تتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة من دول العالم، وهذا الأمر لم يحصل ولن يحصل، إذ أنّ هذا الأمر من مبادئها الرئيسية، لذلك أن نتوقع للصين دورا مماثلا لدور دول أخرى هو أمر غير وارد".
في المقابل، نعلم جيّدا أن لكلّ دولة كبيرة فريقا داخليا يرتبط بها ويمثّل أجنداتها، فلماذا لا تعمل الصين على إيجاد حليف لبناني داخلي لها يناصر استراتجيتها، لا سيّما في موضوع مبادرة "طريق الحريق"؟ يجيب طفيلي: "الصين تتمتّع بعلاقات واسعة مع مروحة من الأطراف السياسية في لبنان، لا بل مع معظمها. فهي تتعاطى معهم في مجال حثّهم على تطوير العلاقات مع الصين في إطار مبادرة طريق الحرير، وهي داعمة للبنان في كل المحافل الدولية. وإذا فهمنا توجّهات الصين جيّدا، ومبادءها السياسية في التعاطي مع الدول الأخرى، لا يحق لنا أن نطلب أو نقول أنّ الصين ستبادر من جانبها لإنشاء او تشجيع أيّ علاقة مع طرف سياسي لبناني محدّد دون سواه".
ويضيف: "لا يمكن أن ننسى الدور المهم الذي تلعبه القوة الصينية العاملة في قوات اليونيفيل، لذلك لا يمكننا ان نتوقع دورا سياسيا للصين في لبنان بحسب هذه المعادلة المطروحة".
ويتابع طفيلي: "إذا إنخرط لبنان، وإستفاد من مبادرة حزام وطريق، سيكون لذلك أبعاد إقتصادية وتنموية طبعا، لكن ايضا سيعزّز حضوره السياسي بخروجه من الأزمات التي يمرّ بها".
ويسأل طفيلي: "هل مصلحة لبنانية للإنخراط والتفاعل بشكل إيجابي مع مبادرة الحزام والطريق؟ هذا سؤال مهم، وإذا كان هناك تيار، وهو بالمناسبة بدأ يتوسّع، من المهتمين ومِن مَن يرون أنّ هناك إيجابية واضحة وكاملة بالإتجاه للإستفادة من مبادرة الحزام والطريق، فهي تكاد تكون الفرصة الوحيدة أو الفرصة الأولى للبنانيين من أجل الخروج من هذا الوضع القاتم".
ولا بدّ من الإشارة، إلى انّ الإستفادة من مبادرة طريق الحرير لا تعني الإنخراط تحت لواء "الإتجاه شرقا"، لأنه دائما ما تُفهم هذه المقولة بشكل خاطئ، وتصل إلى أذهان الناس بطريقة غير صحيحة، ولا تعبّر حقيقة عن معنى ما يُقصد بالتعامل مع الصين، وفق ما يقوله طفيلي لموقعنا.
ويلفت طفيلي إلى أنّه "عندما طرح موضوع التنقيب عن النفط والغاز في البلوكات التابعة للبنان، أبدت الصين كل الإهتمام، لكن الإعتبارات السياسية المحلية لم تترك أي فرصة للصين للمساهمة في هذا المجال"، مؤكّدا أنّه "بالتأكيد إذا كان لبنان متجها نحو إستغلال كامل لثرواته في النفط والغاز، فإنّ الصين ستشجّع لأنّها تعتبر بذلك هناك فرصة لنموّ الإقتصاد اللبناني الذي يمكن أن تلعب فيه دورا أساسيا".
وفي خلاصة كل ما تقدّم، يشدّد طفيلي على أنّ "الصين لا تبحث عن ملئ أي فراغ في المنطقة، أو إستبدال نفوذ أحد سواء على صعيد المنطقة او على صعيد لبنان".