مارون ناصيف
خدمة العمر هي تلك التي قدمها رئيس مجلس النواب نبيه بري لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل عندما قرر في الجلسة التشريعية الشهيرة التي أقرت فيها الهيئة العامة تعديلات قانون الإنتخاب، الإعتماد في التصويت على أكثرية الـ59 صوتاً بدلاً من أكثرية الـ65 صوتاً محتسباً الأكثرية المطلقة إنطلاقاً من مجموع النواب الحاليين من دون المتوفين والمستقيلين، لا إنطلاقاً مما ينص عليه الدستور وتحديداً في المادة 57 منه التي تحدثت عن التصويت على القوانين "بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً".
لماذا ما قام به بري كان بمثابة خدمة العمر؟ لأن أكثرية القانويين وخبراء الدستور تجمع على أن المجلس الدستوري الذي ينظر بالطعن المقدم من نواب تكتل "لبنان القوي" لن يكون من السهل عليه أبداً أن يردّ الطعن المذكور ومن الإحتمالات الأكثر رجحاناً لإعتمادها بحسب متابعين للملف، هو إحتمال أن يقرر المجلس إعادة قانون الإنتخاب (القانون رقم 44 تاريخ 17/6/2017 - انتخاب أعضاء مجلس النواب - المصدق من مجلس النواب بتاريخ 19/10/2021 وذلك بموجب المرسوم رقم 8421 تاريخ 22 تشرين الاول/ 2021) الى الهيئة العامة طالباً منها إعادة التصويت عليه من جديد وذلك بالإعتماد في التصويت على الأكثرية المطلقة أي أكثرية الـ65 نائباً من مجموع أعضاء مجلس النواب. وإذا سلك المجلس الدستوري هذا الطريق، يكون قد إعتبر أن في مسألة النصاب المعتمد في التصويت مخالفة دستورية جوهرية في الشكل، وبالتالي على المجلس النيابي العودة عنها قبل أن يبت المجلس الدستوري بأساس الطعن أي بالمواد الأخرى المطعون بها كمادة إنتخاب اللبنانيين غير المقيمين أي المنتشرين، وموعد الإنتخابات في السابع والعشرين من آذار الذي أورده المجلس النيابي ضمن التوصية التي أصدرها، ومسألة الميغاسينتر وغيرها.
هذا في الشكل أما في الأساس، فيتحدث خبير دستوري لموقعنا عن إستحالة قبول المجلس الدستوري الطعن بمادة إقتراع المنتشرين أي بمعنى آخر، لن يقبل المجلس الدستوري بإعتماد مادة إقتراع غير المقيمين كما وردت في قانون الإنتخاب قبل التعديلات الأخيرة، ما يعني أنه سيبقي على التعديل الأخير لناحية ترك المنتشرين يقترعون بحسب دوائرهم المسجلين بها في لبنان كما حصل في إنتخابات العام 2018 مسقطاً الدائرة 16 التي تنص على إعطائهم حق التصويت لستة مقاعد نيابية موزعة على ست قارات.
وإذا قلب المجلس الدستوري التوقعات، وقبل طعن التكتل البرتقالي بهذه المادة، مبقياً على الدائرة 16، عندها ستقع الكارثة، وستصبح إنتخابات المغتربين بخطر، لماذا؟ لأن تنظيم عملية الإقتراع في الخارج بدءً من كيفية توزيع المقاعد الست (ماروني، أرثوذوكسي، كاثوليكي، سني، شيعي ودرزي) على القارات وأي قارة ستحصل على مقعد هذا المذهب أو ذاك، غير واردة في قانون الإنتخابات وهي بحاجة الى مرسوم تطبيقي، والمرسوم تطبيقي كي يصدر بحجة الى إنعقاد مجلس الوزراء، والجميع يعرف اليوم أن التوافق السياسي على إنعقاد مجلس الوزراء غير مؤمن بعد وسط الكباش القائم على المحقق العدلي في جريمة إنفجار المرفأ القاضي طارق البيطار.
تبقى مسألة موعد الإنتخابات النيابية التي أوصى المجلس النيابية بإجرائها في 27 آذار بينما سبق لوزارة الداخلية والبلديات ان حددتها في الثامن من أيار. مسألة، وعلى رغم أن مجلس النواب خالف بها الدستور إذ لا يحق له التدخل بموعد الإنتخابات، لن يقدم أو يؤخر قرار المجلس الدستوري حيالها، لأن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اعلن أنه لن يوقع أي مرسوم لدعوة الهيئات الناخبة إلا إذا كانت الإنتخابات في أيار 2022 وهذا المرسوم هو مرسوم عادي ومن الشروط الأساسية لإصداره هو توقيعه من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الداخلية.
إذاً الجميع في إنتظار الكلمة الفصل المنتظرة عن المجلس الدستوري. الماكينات الإنتخابية في إنتظارها كي تبدأ عملها. المنتشرون في إنتظارها أيضاً، وهناك شريحة واسعة من الشعب اللبناني في إنتظارها تحضيراً للمحاسبة، والأمل كل الأمل بألا تتأخر هذه .