باميلا فاخوري
لا يخف على امرءٍ أنّ السوق السوداء اليوم تمسك بمقابض الحياة الإقتصادية اللبنانية مشلّة بذلك العديد من المعاملات التجارية، بخاصّةٍ بعد رفع الدعم الذي فرضه مصرف لبنان بقرار ضمني أو معلن على معظم السلع.
والمشكلة التي فجّرت البنية الإقتصادية الوطنية وأطاحت بالليرة التي لم تعد "بخير" على غرار ما كان يردده حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على مسمع اللبنانيين، هي في أنّ لا سعر صرف موحد للسوق السوداء، وتاليًا نحن في مأزقين تثبيته من جهة وتوحيده. وهذا ما يطرح تساؤلاتٍ عدّة عن مصير الليرة لاسيما مع اللعبة الأخيرة لسعر الصرف الذي يرتفع تارةً وينخفض تارةً أخرى. فهل تستطيع الحكومة اليوم توفير العوامل المناسبة لنجاح عملية توحيد سعر الصرف وتحمل تبعاتها؟ وماذا عن تثبيته؟
في السياق، يشير الخبير الإقتصادي أنطوان فرح في حديثٍ خاصّ لموقع LebanonOn إلى أنّ "الحكومة اللبنانية هي في مرحلة مشاورات فنية مع صندوق النقد الدولي بهدف الوصول لاحقًا إلى توقيع برنامج اقتصادي إنقاذي وتمويلي".
وأوضح فرح أن "من شروط الوصول إلى هذه المرحلة، وقبل الوصول إلى فترة أي توقيع برنامج، هنالك بعض الإجراءات التي يجب أن تنفذها الحكومة اللبنانية؛ وإحدى هذه الإجراءات توحيد سعر الصرف لا تثبيته". ويشرح فرح أنّ "هناك فارقا كبيرا بين تثبيت سعر الصرف، وتوحيده، لأنّ صندوق النقد الدولي يعتبر أنّ تعدد أسعار الصرف في البلد بخاصّة في لبنان حيث لدينا بين 4 أو 5 أسعار صرف".
وبحسب الخبير الإقتصادي، إنّ "هذا التعدد هو واحد من اسباب انتشار الفساد، وممكن أن يشجع أو يسهل عمليات الفساد وجني الأرباح غير المشروعة بواسطة التبادل النقدي".
وأضاف: "لذا فإنّ صندوق النقد يطلب إلى الوفد اللبناني المفاوض أن يتمّ العمل على توحيد سعر الصرف، ما يعني أن يكون هناك سعر صرف واحد معتمد، وسعر الصرف هذا سيبقى متحرّكًا ولن يثبت، نسبةً للوضع الإقتصادي المالي السيء والوضع السياسي المضطرب".
وفي موضوع توحيد سعر الصرف رأى أنه من "الصعب توحيد سعرالصرف اليوم في ظلّ هذه الظروف والأوضاع. وإذا تقرّر اليوم توحيد الصرف، فقد يكون على سبيل المثال لا الحصر عند الـ20 ألف ليرة للدولار الواحد، ومن الممكن له ان يرتفع إلى الـ 25000 أو 30000 وتاليًا فهو متحرك وبقوة من جراء سوء الوضع".
ونبّه إلى أنه "علينا أن نحدد المقصد من تثبيت سعر الصرف. اذ أردنا تثبيته كما كان سابقًا، أي بما معناه دعمه من أجل تثبيته، وهذا اقتصاديًّا غير محبب، ولا قدرة لنا أصلًا عليه، لكن إن تكلمنا عن التثبيت من أجل التعويم بمعنى أن نترك الليرة تأخذ سعرها الحقيقي، وهذا ما لا يمكنه حدوثه إلا بعد البدء ببرنامج تعاون مالي وإنقاذي مع صندوق النقد، وتبيّن الأفق، وتوصيف الوضع الإقتصادي الذي ننطلق منه".
وتابع: "يمكننا عندئذٍ تعويم الليرة وأخذ سعرها الطبيعي ولا يمكننا على الاثر تحديده مسبقًا، وفي هذه الحالة يتمّ التثبيت من خلال التعويم. وبهذا يبقى سعر الصرف متحركًا بنسبة مضبوطة، يتحكم فيها مصرف لبنان بسياسته النقدية من خلال التدخل، وتاليًا يكون هناك هامش محدد سلفًا بشكل يتغير سعر الصرف من خلاله بنسبة ضئيلة".
ولفت فرح إلى أنّ "ما يعمل عيله الوفد اللبناني ومن خلال الإشارات التي أطلقها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ومن خلال معرفتنا بالمعايير بالتجارب السابقة لدول عانت على غرار لبنان من وجود سوق سوداء وتعدد أسعار الصرف، عندما حان الوقت لتوحيد سعر الصرف جرى ذلك على رقم قريب جدًّا من السوق السوداء"؛ مضيفا أنّه "اذا اعتبرنا اليوم أنّ سعر الصرف يتراوح بين 22000 و23000 وقد يصل إلى 25000 في نهاية السنة، من هنا أعتبر أنّ توحيد سعر الصرف إن تمّ في مطلع السنة المقبلة سيكون قريبًا على الـ 20000 ليرة للدولار الواحد".
وختم: "وحّدنا سعر الصرف من دون برنامج ومن دون أفق وفي ظلّ الإضطراب السياسي سيرتفع سعر الصرف هذا، بخاصّةٍ أننا مقبلون على زيادة أجور، وزيادة إنفاق من قبل الدولة، وتاليًا سنضطرّ إلى تضخيم الكتلة النقدية بالليرة وسيزيد الضغط عليها وستنخفض قيمتها أكثر فأكثر وتاليًا الدولار سيقفز عن الـ 20000 ليرة من دون سقف".