أصبحنا على يقين أنّ لبنان مغلوب على أمره. إنقلبت عليه الحرية بعد تصريحات لوزير الإعلام جورج قرداحي، وأدخلته في نفق أزمة لا يمكن معرفة موعد الخروج منها. الأكيد أنّ السعودية بإجراءاتها الأخيرة كانت تنتظر أيّ فرصة من أجل تحريك برنامجها تجاه لبنان الذي لطالما سأل عنه اللبنانيون منذ وصول الرئيس ميشال عون إلى سدّة الرئاسة، وبعدها مع إندلاع ما يُعرف بـ"ثورة 17 تشرين".
كل هذه الفترة، ويتناقل المحللون والخبراء في السياسة والعلاقات الدولية رغبة السعودية في ترك لبنان إلى مصيره بعد أن إنغمس في المستنقع الإيراني على حدّ ما تعتبر المملكة، وتسلّم محورها في لبنان أيّ حزب الله مفاصل الدولة من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة الحكومة، إلى الأكثرية النيابية في مجلس النواب.
ولم يخف على أحد، أنّ السعودية منزعجة من حلفائها قبل أعدائها في الداخل اللبناني، وهذا ما ورد على لسان الكثير من المغرّدين والصحافيين والوكالات الإخبارية في العامين الماضيين. وها هي اليوم تطرد سفير لبنان من أراضيها، وتسحب سفيرها من لبنان في سابقة هي الأولى من نوعها، تبعها خطوات مماثلة من غالبية دول مجلس التعاون الخليجي. إضافة إلى ذلك، أقفلت السعودية كلّ الأبواب بوجه الصادرات اللبنانية في خطوة لم تكن بعيدة عن واقعة "رمان الكبتاغون" الشهيرة في نيسان الماضي.
فأيّ تداعيات إقتصادية لقطع العلاقات الدبلوماسية بين لبنان من جهة، والسعودية ودول الخليج من جهة أخرى؟ وماذا يعني التلويح بعقوبات خليجية مالية وإقتصادية على لبنان؟
يقول الخبير الإقتصادي وليد بو سليمان في حديث لموقع LebanonOn أنّ "تداعيات ما حصل هي سلبية بالتأكيد، ولا يمكنها إلّا أن تكون كذلك". ووفق بو سليمان، فإنّ الخطوة الخليجية تعني المزيد من إنعدام الإستقرار على المستوى السياسي والحكومي، الذي يشهد أصلا هو الآخر شللا منذ فترة طويلة. وتابع: "ما أقدمت عليه السعودية ودول خليجية أخرى، سيضفي المزيد من المواد والعوامل التي يمكن أن تختلف عليها الحكومة داخليا، ما يعزّز الإنقسام، وعدم الإستقرار".
وأشار بو سلميان إلى أنّ "الأمر سينعكس حتما على سعر صرف الدولار، الذي سيسلك مسارا تصاعديا بوتيرة أسرع".
وعلى مستوى الصادرات اللبنانية الى السعودية، يكشف بو سليمان أنّ "لبنان يصدّر بقيمة 250 مليون دولار للسعودية سنويا، وهذا التصدير توقف الآن. وإذا انسحب على كافة دول الخليج، فسيخسر لبنان حجم تصدير بقيمة مليار دولار تقريبا".
ويشرح بو سليمان تداعيات هذا الأمر على الداخل اللبناني: "الدولار الفريش لن يدخل عندها الى لبنان من الأسواق الخليجية. كما إنّ لمثل هذه القرارات تداعيات على مستوى المصانع اللبنانية والشركات المهدّدة اليوم بمزيد من التعثّر. بالإضافة الى الضغوط التي ستمارس على اللبنانيين الذي يودّون الهجرة الى دول الخليج من اجل البحث عن لقمة العيش".
لكن هل يمكن للبنان أن يجد أسواقا بديلة للأسواق الخليجية؟
يؤكّد بو سليمان أنّه "بكبسة زر لا يمكن تعويض خسارة الاسواق الخليجية، إذ عمليا من يفتح الأسواق هي الوزارات المعنية، والحكومات، والتسويق، وهذا كلّه اليوم غير موجود بسبب الأزمة الكيانية والبنيوية التي يمرّ بها لبنان".
وتكمن الخطورة الأكبر بحسب بو سليمان هي في التلويح الخليجي بفرض عقوبات مالية وإقتصادية على كلّ لبنان. فماذا يعني ذلك؟
يجيب الخبير الإقتصادي بما يلي: "إذا فرضت العقوبات الخليجية المالية على لبنان، هذا يعني أنّ التعامل مع المصارف اللبنانية سيتوقّف، بالإضافة الى توقّف تحاويل المغتربين من دول الخليج الى لبنان التي تشكّل 60 بالمئة من تحاويل المغتربين الى لبنان المقدرة بـ7 مليار دولار سنويا. ولا أستبعد ايضا أن تتوقف الرحلات الجوية بين لبنان ودول الخليج. هذا إستباق للأمور، ونتمنّى أن لا تحصل".
وإعتبر بو سليمان أنّ "لا مجال للترقيع بعد الآن فنحن دخلنا مرحلة المواجهة".
وعمّا إذا كانت السعودية قد إستغلّت تصريحات قرداحي من أجل فرض حصار على لبنان، يؤمّن لها ورقة في المفاوضات الدولية التي تحصل حاليا في المنطقة، لفت بو سليمان إلى أنّه "بسبب فسادنا وتقاعسنا عن تحقيق الاصلاحات فرضنا حصارا على أنفسنا. سنتان مرّتا ولم ننجز قانون الكابيتال كونترول، ولم نقم بالإصلاحات المرجوة، بل كبّدنا المودعين خسائر كبيرة، وهدرنا عشرات مليارات الدولارات على دعم غير مجد، ومن بعدها رفعنا الدعم من دون اي حماية او اي شبكة امان اجتماعية، فكيف يمكن لوم الخارج؟ نحن حاصرنا نفسنا قبل أن يحاصرنا اي أحد من الخارج".